القابض
على الجمر
اذا كان من حقى الآن وبعد سبعة
عشرة عاما من الكتابة والعشق والقبض على جمر محبتى للمسرح أن أدلى بشهادتى على
واقعى المسرحى فمن حقى أيضا أن أقول بملء فمى اننى عشت زمن الخراب المسرحى .. غير
أننى محكوم بالتفاؤل . فلو كان التشاؤم منهجى وهاجسى ماكتبت . ذلك لأن
الكتابة والأبداع ماهى الا صنو للتفاؤل والأمل , ولأننى بالإبداع أتصور أننى سوف
أغير بعضا من العالم الذى هو وطنى الأنسانى وأتصور أننى رغم كل شىء .. رغم الحروب
والمجازر والأمتهانات اليومية والمستمرة للإنسان على مر العصور . ولو لم يكن هناك
أبداع لصارت الحياة أسوأ لاتلح على
ياصاحبى بسوءالك الذى سألته كثيرا لنفسى وتقول لى0 (: وهل هناك ماهو أسوأ؟) نعم
هناك الأسوأ دائما غير أن الدين والابداع هما مايضفيان على الواقع الأنسانى الكثير
من المعنى .
واذا
ماكانت رغبة بعض الأصدقاء هى محرضى الأساسى لكى أكتب شهادتى . فسوف أقول ماأفكر
فيه بكامل حريتى وأطرح أسئلتى بكامل وعى
عقلى .
هل
تريد الدولة / السلطة مسرحا حقيقيا متفاعلا وصادما ومجادلا ؟ لكن دعنى أقول لك
أولا ماذا يعنى المسرح الذى أنشده . المسرح هوالذى يتأهب دائما للدفاع عن الأنسان
. عن طموحاته وأحلامه هوالذى يغنيه عن سؤال اللئيم فيما يخص المعرفة ينمى وعيه
ليجعله سعيدا راضيا .
السلطة/
الدولة تريد أن يغيب الوعى ليظل الجميع منساقا بلاحيلة ولاأمنية ولانشدان لشىء أما
المسرح الحقيقى فهو ينمى الوعى الأنسانى ليغير ويملك مصيره ووحقوقه .بينما الدولة
/ السلطة تحب دائما ( الودعاء الطيبين الذين سيرثون الأرض فى نهاية المدى )
المسرح الحقيقى يفتح الجرح ويعريه ليبصر مابداخله من قيح
وتهتك ليعالجه لاليترك الجرح متسخا متهتكا مملوء بالخبائث التى تشل ولاتحرك, بينما
الدولة؟ السلطة ترى حريتها فى تكبيل الآخر ليظل مكتوفا لايطالب بحق ولأنه لايعى,
لايقوم بواجب ليظل الوضع كما هو علية وكل شىء مائع ومغبش وتظل السلطة مستمتعة
بالملكوت .
السلطة
فى العالم الأول مثلها فى العالم الثانى والعالم الثالث والعالم الألف لكن نسبة وتناسب هى التى تغير
الأمور وتحكمها من آن لآخر حسب مقدرات شعوبها ووعيها الذى أنتجه صمودها وحضارتها
ونضالها
لكنها
سلطة فى كل الأحوال لها طموحاتها وهواجسها وخشية قلبها من المجهول ّ
السلطة
لدينا تريد المسرح واجهة اجتماعية جميلة وبراقة ودالة على الوجود المسرحى حتى ولو
كان زائفا ومريضا من الداخل . حتى لو انفلتت بعض العروض المسرحية هنا وهناك لتكون
أكثر ديمقراطية وحصافة وتنال الوسام الذى تضعه على صدرها لتضعه وقت اللزوم فى عين الحاقدين والمنكرين لعظمة
ديمقراطيتها والمشككين فيها .
اذن
على المبدع الحقيقى أن يصمد لأن التاريخ يراكم الحضارة ويفعل فعله بها, عليه أن يبقى
رغم التهميش ومحاولات البتر والإلغاء والتجويع والتلويح بأشياء لايستطيع معها ردا
ولا عنادا .
السلطة/
الدولة . لوكانت تريد مسرحا لربت النشء على الاهتمام بالمسرح ولما عرضت كل يوم
بإلحاح مزر عبر وسائل الأعلام المختلفة نوعا واحدا من المسرح ( لاأستهجنه ولا أحتقره لكنه ليس هو الوحيد ولا ألأصوب
ولا الأنجح داخل الوطن . وخارجه ) فتحتضنه وتنميه وتغرق
بالأموال القائمين عليه وتهمش ماعداه .
هناك مسرح آخر وعالم آخر ومقولات
وقضايا أخرى ومختلفة وصادمة . لكنه الارتكان الى الأمان
والكسل واكساء الذوات المفضوحة الى حين.قضايا أكثر قربا وحقيقية وحميمية من
الابتذال والفحش والشعارات الجوفاء والطبول
الرنانة .
الدولة
تهمش الحقيقى وتترك المدعى والسطحى والغث يعيث فسادا وهو يرتدى مسوح الكهنة
والأبرار والمضحكين ومسوح التعبير عن الناس وألامهم حتى ولو شتم السلطة فى العالم
كله . أنها تتركه لأنه يفرغ لا يشحن . يضحك لايبكى . يغيب لايوقظ .لتنال الوسام رغم كيد
الحقيقيين المغرضين , قل انه ظن وبعض الظن
اثم عظيم .
السلطة/
الدولة . لو كانت تريد مسرحا حقيقيا لبنت ولم تترك دور العرض المتطورة وقمة
التكنولوجيا والتقنيات المبهرة يصنعها المسرح الخاص ليجذب مشاهديه بينما الدولة
الأغنى والتى نحن دافعوا ضرائب خدماتها تترك المسارح خالية الآ من خشباتها المتهالكة .
يقول
صاحبى الذى هو نفسى : لو كانت هذه الحقيقة وكانت لا تريد مسرحا ..
فلماذا
هذه الأكاديميات والبعثات والكتب والتأليف والترجمة . لماذا كل هذا ؟
أقول
لك : لأنه لو لم يكن هناك كل هذا لأتهمت بالتخلف عن ركب الحضارة وهى تريد أن تتشدق
دائما بأنها رائدة فى كل المجالات حتى لو كان الداخل خرب ومضلل . انها تريد أن تظل
مشرئبة الأعناق مباهية بصنيعها فى احتفاليات ومهرجانات سنوية ومستديمة .
لكنا
المبدعون ينبغى أن تتكون لدينا النية الصادقة لبناء مسرح انسانى فقير فى
الخامات غنى بمعانيه ويقوم على تنمية الوعى لاتغييبه . وأعتقد جازما ان المبدعين (المدعون منهم
والحقيقيون ) حين يعتلون عرش السلطة يكونون
بلا شك أكثر وعيا بآليات المسرح
فيعملون على اندثاره بخطوات متانية ويعملون على كتم صوته وعلى تهميش مبدعيه
الحقيقيين أصدقاءهم القدامىلنكون جميعا مدنسين وخونة فى عالم لاتتراءى فيه سوى
الخيانات العظيمة أليس هذا مايحدث أمام
أعيننا من بعض من كنا نظنهم سندا لنا فتخلوا وتحللوا من كل أحلامهم القديمة. أقول
هذا وأنا موقن منه لأنه من بين أصدقائى من صار
من كبار السلطويين البررة فأبعدوا المسرح لأنهم
أدركوه .
كل
هذا يحعلنى أرفض السلطة حتى لو أتتنى علىطبق
من ذهب ذلك لأننى أعشق الحقيقة وحين اتسلطن سأتسلط دون أدنى شك( اللهم
لاتجرنى لهذا المستنقع وأكفنى شر النفس الأمارة بالسوء ) ولربما دون وعى منى قد
اكتفيت بشهادتى المتوسطة ولم أطمح أبدا فى أعلى منها كى لاأكون قريبا من مقعد
ينسينى ناسى وطموحىوحقيقتى
ماكل
هذا الخراب فى الضمائر والذمم ؟.
وماكل
هذا التفاوت المضلل فى الآراء التى تقول أن الفن وجهات نظر فقط فيتخبط الجميع
وأقول ان الفن حس ومقومات . حس نختلف حوله تبعا لثقافة كل منا
ومكوناته الجمالية ومقومات تقنن هذا الحس
فيصير الفن بين والغث بين أليس من سوء الحظ ومن عجائب الأمور أن نرى كاتبا جيدا
ومخرجا جيدا واداريا جيدا ثم حين نقترب منه نجده انسانا فى غاية السوء وسواد القلب
والقدرة الفذة على الالتواء.
فأى
صفاء وأى رسالة سامية تنبع من من أشخاص كهؤلاء؟ وهم أنفسهم غير قادرين على
الاقتناع بما يلقون على العامة والدهماء وكأنهم ينظرون لأنفسهم على أنهم مميزون أو
مجاذيب لايسئلون عما يفعلون . حين أرى كل هذا الخراب أشعربدوامة فى رأسى تلقى بى
فى جب عميق ويأكلنى الأكتئاب لكننى سرعان ماأقوم لأكتب ولن أترك الأرض بورا وأهرب
. ولن أخشى الا الله وقناعتى بأن الفن خير/ حق / جمال . وماعداه سمه ماتشاء الا أن
يكون فنا حتى لو أرتدى مسوح الكهنة والأبرا ر .
أبعد
كل هذا الخراب مسرح ؟
لكننى
محكوم بالتفاؤل والأمل والا فللقلم غمد ينكس فيه . وأنا لاأتقن ولاأحب
ولاأتنفس سوى الكتابة / الحياة.
سعيد حجاج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق