الخميس، 9 نوفمبر 2017

الشباك

 

  
البيت الفني للمسرح
المســـرح الحديث

يقــــــــدم
الشِــبَّاك
مسرحية من فصل واحد
















تأليف / سـعيد حجـــاج
          إخـراج / محمـــد حســين




استهلال لابد منه حتما

قال لي صاحبي ذات يوم : هل تعرف أنه في أعقاب الحرب العالمية الثانية كانت المنازل والنوافذ مغطاة بالسواتر القماشية الملونة ؟ قلت فليكن . لكنني كتبت ما كتبت حين رأيت الجنود ذات مرة يغطون المنازل جميعها في الحي العشوائي خشية أن تتأذى أعين السادة المسئولين الكبار في حكومتنا الرشيدة وهم يعبرون المكان ليقصوا شريط أحد إنجازاتهم العملاقة.. وتساءلت ماذا فعل الذين يقبعون داخل هذه البيوت .؟
( الديكور واقعي جداً .. لا يعدو أن يكون سوى حجرة فقيرة عشوائية , بها اجتمعت كل الأماكن , باب مغلق جهة اليسار تشير عليه علامة أنه الحمام.أمام الباب مباشرة توجد منضدة خلفها مقعد خشبي . في صدر المسرح توجد نافذة عاليه جدا . باب جهة  اليمين أمامه مقعد هزاز . في وسط المسرح توجد ملاءة مغطى بها الابن .)
ـ عند الإضاءة التدريجية .. نجد الأب جالسا يتناول الطعام وبقايا معلبات على المائدة وعلى الأرض أيضاً .الأب يضع فوطة بيضاء على صدره .. صوت سيفون وخرير مياه يغلف المشهد حتى خروج الأم من الحمام .
الابن
:
انتهت الحرب ..و قلنا  هانعيش زى بقية الخلق ونبقى فوق فى العلالى .. وحياتنا هاتتغير .. ولا حاجه اتغيرت . وانتهت احلامنا زى ما انتهت الحرب بالظبط ... حتى الأمل فى موته عليها القيمة , برضه انتهى ... افتحوا الشباك بقى يا ظلمه , افتحوه خلى الشمس تدخل .. أنا نسيت شكلها فعلا .. هي مربعه ولا مدورة ..ولاّ شكلها إيه دلوقت ؟ 
الأم 
:
" تخرج من الحمام وتجفف يدها بالفوطة المعلقة على رقبة الأب ثم تتمخط فيها وتعلقها ثانية " لا مربعه ولا مدورة .. أفتكر أنها كانت مستطيلة تقريبا ..
الابن
:
مش مهم . هافتكرها بحذافيرها أول ما اشوفها بعيني ,الأودة دى حقيرة قوى  .." يقترب من الأم " أرجوكي افتحي الشباك . أنا نفسي أشوفها وأحسها بجد .
الأب
:
الأب    : الشمس مدورة يا ابن العبيطة  .
الابن
:
" منفجرا " اسمع .. انا لسه مصر انك ما تنطقش بكلمة واحدة... أفكارك غريبة وبشعة .. أفكارك بتخلينى أبقى عاوز أجيب كل اللى ف معدتي .. أنت إيه يا أخي ؟ مراتك قالت مستطيله تقريبا ... ايه ؟ مش مصدقها هي كمان ؟ زى ما انت طول عمرك بتكذبنى ؟
الأب
:
حاضر .. انا آسف . وادي لساني اهو .. خليه محشور جوا بقى ما يخرجش أبدا ولا ينطق بكلمه واحده  .
الابن
:
أمي .. تفتكري أنا مبسوط هنا  ؟
الأم
:
نعم . والله ما أنا  عارفه يا ابني .
الابن
:
إحنا بقالنا كام سنه على الوضع ده ؟ الكوبري العظيم فتحوه  ولا لسه ؟  والموكب عدى ولا لسه ؟  والوزرا والعساكر عدوا برضه ولا لسه ؟.. خلصوا كل اللي كانوا عاوزين يعملوه فينا ولا لسه ؟
الأم
:
يمكن يا ابني  .
الابن
:
كل حاجة حوالينا بقت بتضايق .. أنا مش مبسوط من كل اللي بيحصل حوالينا .. ليه محسساني أن مفروض نعيش ونبقى مبسوطين وعادي خالص ؟
الأم
:
أبوك هو اللي فاكر كده .. أنا ماليش ذنب فى حاجة ..
الابن
:
طب  وأنتي ؟
الأم
:
" مبتسمه فى انكسار " أنا إيه ؟ هو أنا اقدر أقول حاجه ؟ إحنا من ساعة ما اتجوزنا .. أتعلمت أعمل كل حاجه زى ما أبوك عاوز بالظبط ..
الأب
:
شوفت .. أمك بتفهم .. وعارفة الأصول كويس .. مش أنت
الابن
:
( ينظر للأب شذراً ويشير له الأب بيده دلالة على مواصلة صمته .. ثم يواصل حديثه مع الأم ) هو قالك الكلام ده ؟
الأم
:
من غير ما يقول يا حبيبي .. كفاية بس يبص لي بعينيه ، ولا يشاور بصباع رجله  الصغير وأنا افهم هو عاوز يقول إيه... إحنا على طول كده .. يمكن علشان كده عمرنا ما اتخانقنا ولا حد من الجيران سمع لنا حس .. ولا شم خبر بينا .. إحنا من أول جوازنا وإحنا متفقين على كل حاجه
الابن
:
" ساخرا " كويس .. كويس قوى والله . متفقين على كل حاجه من أول ما اتجنزتوا .. حتى عليا انا كمان . صح ؟ " يتجه نحو الباب المغلق "
الأم 
:
أنت رايح فين الساعادى ؟ أنت عارف أنهم مغطيين البيت بالفِراشة .. ومش ممكن نخرج ولا حتى نبص من خرم الباب .. يانهار اسود .. أنت عارف لو عملنا كده ممكن يجرالنا إيه ؟ أنت نسيت ولا إيه ؟
الابن
:
بافكر استحمى .
الأم
:
" تخبط على صدرها " تستحمى ؟ يانهار اسود عليك وعلى سنينك .. تستحمى ليه ؟ ياكش تكون فاكر أن فيه حد هايشوفك ولا هايشم ريحتك ..اقعد يا ابني معانا ما توديناش كلنا في أبو نكله .. كل حاجه هنا زى اختها بالظبط ... اسمع . ...
الابن 
:
عاوزة إيه ؟
الأم 
:
ادينا بندردش يعنى .. ما تآ خذنيش فى دى الكلمة .. افرض يعنى لو استحميت مثلا يعنى كفى الله الشر. هاتعمل إيه بعد كده؟
الأب
:
هيروح يصور الفيتيو كليب بتاعه .. بتوع السيما مستنيين طلعته البهية
الابن
:
أنا قلت مش عاوز أسمع صوتك .. نقطنا بسكاتك بقى ( للأم )
الأم
:
خليك معايا أنا وسيبك منه .. هاتعمل إيه بعد لا سمح الله ما تستحمى ؟
الابن
:
هااغير هدومى طبعاً ..
الأم 
:
يادى المصيبه اللي حطت فوق راسي .. أنت بتفكر في إيه ؟
الابن
:
ها اكون بفكر في إيه يعني ؟
الأم
:
طب يعنى يعنى ادينا بندردش يعنى .. أنت عارف أننا مش هانقدر نتحرك خطوة من هنا من غير إذن . وأنت يظهر اتجنيت فى عقلك وعاوز تخرج
الابن
:
لا ماتخافيش .. مابقاليش حد اخرج عشانه .. لا زمايل ولا أصحاب ولا قرايب ولا أي حاجه .. أنا حتى كمان نسيت أشكال كل اللي كنت اعرفهم زمان .. هما كمان نسيوا شكلي . يبقى هااتحرك ليه خطوة واحدة .. علشان أعمل إيه مثلا ؟ إحنا بقينا أغراب ومنسيين.
الأم
:
تكونش عاوز تقعد معانا وأنت مغير هدومك ولابس هدوم نضيفة ؟  النضافة يا ابني بقت زى الوساخة بالظبط .. ما تفرقش يعنى .. أقولك على حاجه . ما تتعبش نفسك وتعمل كده
الابن
:
أمي .. ممكن أموت نفسي  واخلص وأريحكم  ؟
الأم
:
تموت نفسك  ليه بس ؟ ومين قالك أننا كده هانستريح ؟ أنت كلمت أبوك في الحكاية دى ، ولا هي طلعت في دماغك دلوقت بس ؟ آه ما أنت لازم تشوره يا ابني .. ما تعملش حاجه من دماغك .
الابن
:
لا.. أنتي عارفه أنى ما ابكلموش ولا عاوز حتى أبص فى خلقته ..
الأم
:
طب افرض انه ما يحتكمش على ربع جنيه مخروم دلوقت .. ممكن يعمل إيه لما أنت تقوله كده ؟ ده أبوك ممكن يتهور وينزل فينا ضرب وقلة قيمه .. وساعتها ولا حد هاينجدنا منه .. أنت أصلك ما تعرفش عمايل أبوك
الابن
:
يا ستى يستلف ويفك زنقتنا ..
الأم
:
ما حدش هايسلفه مليم احمر .. اعمل حسابك .. ما حدش دلوقت بقى يسلف حد .
الابن
:
أنتي الظاهر نسيتى ، كل اللي حوالينا كانوا بيحبونى اد إيه ؟ نسيتى أنهم كانوا بيحبونى ازاى ؟ يعنى لما أحب أموت ، مش ممكن يستخسروا فيا حاجه
الأم
:
الناس اتغيرت يا ضنايا .. ما بقاش في قلوبهم رحمه ، لا ليك ولا لغيرك . أنت فاكر أنها حاجه  سهله ؟ بالعكس دي مشكله عويصة .
الابن
:
تفتكري ممكن أتصرف ازاى   دلوقت ؟
الأم 
:
دور على شغل يا حبيبي وموت من عرق جبينك .. ما تعتمدش على حد ، حتى لو كان أبوك  نفسه .. ولا أمك حتى 
الابن
:
وممكن اشتغل إيه إن شاء الله ؟
الأم
:
تشتغل إيه .. تشتغل إيه ؟ تاهت ولقيناها .. اسمع .. أنت تعرف تغسل المواعين وتغسل الهدوم ؟ ولا ما تعرفش ؟ دى حاجه بقى ممكن تخليك باشا وتتمرمغ فى العز . ولما تبقى تتمرمغ تبقى ساعتها تعمل كل اللى أنت عاوزه . ولا تمد أيدك لحد تقول هات .
الابن
:
يانهار اسود ومنيل ؟ أنا عمرى مافكرت في كده .. أنا نسيت كمان الحاجات دى ممكن تتعمل ازاى ؟.. انا ما بقيتش فاكر الحاجات دى خالص .
الأم
:
خلاص .. بلاش غسل المواعين ولا الهدوم الداخلية .. اختار لك الشغلانة اللى أنت عاوزها ، طالما انت ناوى تعمل اللى فى دماغك ده .. يعنى لو ما شتغلتش ، يبقى تشيل من راسك كل اللى بتفكر فيه ؟
الابن
:
انا هااشتغل .. هااشتغل .. ريس .. إيه رأيك ؟
الأم
:
ريس ؟ ريس على مركب ولا على اليخت اللي جابهولك المرحوم جدك ؟
الابن 
:
لا .. ريس عليكوا انتوا
الأم 
:
والله فكرة . ده أبوك هايطير من الفرحة ..
الابن
:
تفتكري ؟
الأم
:
طبعا .. أنت فاكر انه مش هايفرح لما تشتغل ريس علينا .. ونبقى احنا ساعتها مسئولين منك .. أكل ومرعى وقلة صنعه .. مش بقينا إحنا الشعب ؟ ( تزغرد وتتراقص هي والأب  ويغنيان أغنية بشرة خير )
الابن
:
( يشخط فيهما ويوقفهما عما يفعلانه ) بس .. الله يخرب بيوتكم هتودونا في داهية
الأب
:
إيه ده !! أنت من أولها كده هتبقى ديكتاتور؟؟ وهتتحكم فينا ؟
الأم
:
مش أنت الريس اللي هاتعمل لنا كل حاجه ؟ تشوفنا مبسوطين ولا زعلانين .. وتفوت تشقر علينا ناقصنا حاجة ولا مرتاحين... عارف .. أنت كمان ممكن تشتغل شغلانة تانية بعد الضهر عشان تزود دخلك ؟ هو ياضنايا مرتب الريس هيعملك إيه في الغلا ده ، أنت مسمعتش عن موضوع الحد الأقصى ولا إيه؟ عارف أنت ممكن تشتغل إيه ؟
الابن
:
إيه ؟
الأم
:
تغسل هدوم أبوك  الداخلية
الأب
:
ولاَّ نفسك هتكبر علينا ساعتها ؟
الأم
:
وابوك هايشوفك برضه بحاجه على ما قُسم .. أبوك كريم قوى.. بس أنت ما تعرفوش . ها .. أيه رأيك ؟
الابن
:
 ده خسيس وممكن يفرح قوى
الأم
:
أختشى عيب .. ما حدش يقول على أبوه ها يفرح قوى .
الابن
:
وده اللي هايخلينى ارجع في كلامي . ومااعملش اى حاجه تبسطه. ( بأداء تمثيلي ) أموت أو لا أموت هذا هو السؤال
الأب
:
( محاولاً التحدث بالإنجليزية بجدية ) زاتيس إز زا كويشتانز  ( الابن ينظر إليه ساخراً ، ثم يدخل إلى الحمام )
الأم
:
زقطط يا كبير .. ابنك ناوى يشتغل .. هاتديله كام يوميه ؟
الأب
:
بتخرفى تقولي إيه يا وليه انتى ؟
الأم
:
ما اباقولش يا اخويا .. هو أنت كنت شوفتنى فتحت بقى ؟ "صمت "باقولك ابنك هايفك أيده من ورا ضهره ويشتغل ،  بذمتك مش دى حاجه تِفْرِح ؟ "صمت " تفتكر يعنى هو ممكن يشتغل بجد ؟
الأب
:
انتى نفسك بمخك النور ده , تفتكري هو ممكن يعمل كده ؟ ده  واد ابن كلب صايع .أمه ما ربتوش .
الأم 
:
أنا ؟ أنت اللي فضلت تدلع فيه لحد ما بوظته .. أنا عارفة انه عمره ما هايعمل حاجه تنفعنا .. عمره ما وعد بحاجه وعملها .. طول عمره نمرود زى جده وما حدش مالي عينه . أنا عارفه  " صمت " عمره ما هايشتغل ...
الأب
:
طب ما تيجى نجربه المره دى .. هو يعنى إحنا هانخسر حاجة؟ اهو ابننا برضه والواحد رايد له الخير .. يمكن بعد ما نموت ولا نغور في داهية يقدر ينفع نفسه
الأم
:
باقولك إيه .. إحنا ندعى له ربنا يوفقه وخلاص في شغلانته الجديدة
الأب
:
ادعى له انتى لوحدك وحلى عن نافوخى  " يعاود التهام الطعام وبعد فترة صمت يدخل الابن صارخاً فيهما  )
الابن
:
 لا . أنا مش ممكن أعمل كده .. الناس لو عرفت أنى كنت باغسل هدومكم الوسخه دى .. هايقولوا عليا إيه ؟ هايبقى موقفي إيه قدام الرأي العام  العالمي ؟
الأم
:
طب وإيه يعنى ؟ ما أنت يا حبيبي هاتكون اتَكَلتْ خلاص .. وساعتها ولا هاتحس بحاجة
الابن
:
افتكر أنى هااكون تعبان قوى هناك
الأم
:
في الحمام ؟
الابن
:
لأ .. في القبر .
الأم
:
زى ما أنا قلت بالظبط ( للأب )  شايف دلعك وصل الواد لفين  ( للابن )  اسمع ياحبيبى .. مافيش حاجه قدامك غير انك تصالح أبوك وتسترضيه ، يمكن ربنا يحنن قلبه عليك .. .. وحياة ربنا المعبود ده بيحبك ولسه مكلمنى عنك من شويه . وقايل فيك شعر
الابن
:
قال لك إيه  ؟
الأم
:
وحياة ربنا المعبود بيدعى لك أن ربنا يوفقك ، ويوقفلك فى سكتك ملايكة ولاد حلال .. ولا يشمتش فيك شياطين أبداً ..
الابن
:
" يضحك فى هيستيريا " ده ؟ ده يعرف يدعى لى ولا حتى يدعى لنفسه ؟ ده بيكرهنى عمى بس انتى اللى مش واخدة بالك من حاجه .. " صمت " أنا خلاص خدت قراري ومش ممكن ارجع عنه أبدا .. عندكم جاز ؟
الأب
:
منين ياحيلة أمك .. ما هم  غلوه راخر ؟
الأم
:
يعنى برضه مش هاتشتغل ولا هاتموت من عرق جبينك ، صح ولا لأ ؟
الابن
:
لأ.. مش هااشتغل أي حاجة .
الأم
:
" للأب " شوفت ؟ مش هو ده اللى انا قلت لك عليه برضه.اشرب بقى نتيجة دلعك المرىء  .
الأب
:
ابن جزمه عاجز  .
الابن
:
قلت ألف مرة ماتشتمش .. انت عارف انا ممكن اعمل فيك إيه دلوقت ؟
الأب
:
خلاص خلاص .. ما تزعقش وتسمَّع بينا الناس .. ما تغضبش أوي كده ليطق لك عِرق ( يعاود التهام الطعام )
الابن
:
" بإصرار " عندكم جاز ولا ماعندكمش جاز ؟
الأم
:
وأنت فاكر لما تعمل كده هاينتهى عذابنا ولا عذابك أنت حتى ؟ مين اللى هايشيل  المسئولية لما أنت تروَّح .؟
الابن

أنا اللى هااشيل كل حاجة ..
الأم
:
متهيألك.. هاتشيل إزاى وانت ساعتها هاتكون هناك ؟
الابن
:
( صمت وحيرة ) لكن أنا مش عاجبنى حكاية غسيل الهدوم دى.. أنا مش عارف اعمل أي حاجه ( بأداء تمثيلي ) لا شيء يحدث .. لا أحد يمر ..
الأم
:
دور لك على شغلانة تانية .. البيت واسع قدامك اهو وتقدر تعمل اللي أنت عاوزه .. ( الابن ينظر لها طويلا ثم يدخل الحمام )
الأب
:
" متسائلا فى صوت منخفض " إيه .. هايعملها دلوقت ؟
الأم
:
هايعملها على روحه .. ( صمت برهه ثم يضحكان سويا فى صوت مكتوم )  .
الأب
:
تفتكري هو اللي  صح ولا أنا اللي صح ؟
الأم
:
مش هايقدر يعمل حاجه .
الأب
:
مش هايشتغل ؟
الأم
:
مش هايموت نفسه ..
الأب
:
طب ليه ؟
الأم
:
جبان .
الأب
:
صح .. صح .. خصلتك اللي ورثها منك تمام .
الأم
:
ورثها منك أنت ، ومن اهلك .
الأب
:
أنا ؟
الأم
:
ومين غيرك ؟
الأب
:
أنتي وأمك  .
الأم
:
أنا ؟
الأب
:
اسكتي.. اسكتي .. الواد جاى  . ( يدخل الابن )
الابن
:
أنا جربت  .
الأم
:
وعملت إيه ؟
الابن
:
مالقيتش الجاز  .
الأب
:
( يصرخ فيه ) نعم يا روح امك .. مالقيتوش ازاى يعنى .. إحنا كنا شاريين يجى لترين قبل ما يغلى وحاطينهم فى الزنؤرجنب البابور .. يا ابني استهدى بالله ودوَّر كويس
الابن
:
( منفجرا في وجه الأب ) لقيت كل الاطباق والحلل معفنه ومش قادر اشم ريحتها . أنا قرفان منكم قوى .. هناك شيء عفن في الدنيمارك " الأب والأم ينظران لبعضهما البعض باستغراب ، بينما يقترب الابن من أبيه " باقولك ايه ؟ ماتحاول تتصرف لى في قرشين على ماربنا يسهل وساعتها هاادفعهملك الطاق اتنين .اخلص العمليه دى واخلص أنا كمان
الأب
:
" يضحك ساخرا " وهاتردهم امتى القرشين دول ان شاء الله ؟
الابن
:
مااحنا اكيد هنتقابل هناك وهاديك كل اللى انت عاوزه ولو حتى حسناتى كلها ...
الأب
:
" ضاحكا فى سخرية " حسناتك ؟ هو انت ياابن العبيطه لما تدلق على نفسك جاز وربنا يولع فيك بجاز وسخ ، هايبقى عندك حسنه واحده ممكن تديهالى ؟ انت بتستكردنى ولا فاكرنى كروديا ؟ انت نفسك هاتبقى ساعتها بتلف فى الزحمه على حسنه واحده ومش هتلاقى .. وحياة ربنا المعبود أنا كمان لو شوفتك فى الزحمه مش هااعرفك لما تموت محروق ووشك يبقى اسود زفت . أنا ماعنديش فلوس للى زيك  ياكافر ياقليل الدين .هو انت فاكرنى قاعد على منجم دهب بيلمع زى الشمس؟ 
الابن
:
" سارحا " الشمس ؟
الأم
:
اسمع بقى يا ابني .. ما هو أنت مش ممكن تعمل كده إلا إذا اشتغلت واعتمدت على دراعك. غير كده مش ها تشوف قرش تعريفه منه .. ده نتن وأنا عارفاه
الابن
:
" في انكسار واضح وشبه بكاء " أنا مش طايق نفسي .. قلعت هدومى ولبست جلابيتك ولبست حتى الباروكة بتاعتك .. اللي انتوا عاوزينه منى ده حاجه ما يعملهاش غير الحريم .. لكن أنا لا .. أنا ما اعرفش اعمل كده .
الأب
:
طبعاً ... مهو ده برضه مش كفاية أبدا .. لازم يكون تغيير جذري .. عارف يعنى إيه جذري ؟
الابن
:
" ساخرا " جذري ؟ وعرفتها منين دى كمان ؟
الأب
:
سمعتها في الراديو
الابن
:
ما اهو أنا جبت المقص وحاولت أقص ......... لكن ما قدرتش اعمل كده 
الأم
:
وياريتها تيجي كده وبس .. ده أنت كمان لازم تتغير من جوا.. لازم تحس انك بقيت مره بجد مش هزار . لازم جذري جذري يعنى زى ماابوك بيقول .
الابن
:
" صمت " حتى لو عملت كده ممكن انجح يعنى ؟
الأم
:
أهو على الأقل هاتبقى طوع زى أبوك ، وعقلك لا هايجيب ولا يودى .. يعنى اللي تقول عليه الحكومة شمال يبقى شمال ، واللي تقول عليه يمين هايبقى يمين .. مش زى ما أنت بتعمل دلوقت ولا همك مصلحتنا .. إحنا نحمد ربنا ياحبيبى أنهم سايبنا عايشين
الابن
:
يعنى أنا كل حاجه خايب فيها كده ؟
الأب
:
أنا قلت من الأول أنت ما تنفعش في اى حاجه خالص .. لا تنفع في الموت ولا في الحياة .. وخليك متعلق من عرقوبك كده ومش عارف تريح راسك ولا تريحنا
الابن
:
قلت لك ما تتكلمش .. أنت عاوز منى إيه تانى ؟  .
الأب
:
وها اعوز منك إيه يعنى غير انك تبقى على الأقل تنفع نفسك .. مش مهم تبقى مفيد لينا .. لنفسك يااخى لنفسك .. ولا دى كمان مش فالح فيها ؟ حتى لما الواحد يفكر يساعد ويرشدك للصح بتتبطر على النعمة وتعض الأيد اللي بتتمد لك بالخير
الابن
:
قلت لك ماتتكلمش أرجوك .. أنا تعبان ..
الأم
:
" للأب " خلاص يا اخويا.. ما تتكلمش أنت ، أنا اللي هااكلمه
الأب
:
يبقى تقولي له أنى عاوز أساعده مش اكتر .
الأم
:
أبوك عاوز يساعدك يا حبيبى ..
الابن
:
يساعدنى ازاى هو مش عارف ينفع نفسه .. قولي له أنت لو كنت راجل بجد كنت ساعدت نفسك وساعدتنا كلنا .
الأم
:
بيقولك لو كنت راجل بجد كنت ....
الأب
:
أنا ؟
الأم
:
هو اللي بيقول مش أنا ..
الأب
:
قولي له يا ابن القديمة الرجولة دى كانت زمان .. ودلوقت بقت موضة قديمة .. هااعمل بيها إيه أنا ؟ .
الأم
:
بيقولك هايعمل بيها إيه دلوقت ده حتى  ...
الأب
:
أوعى تزودي حرف واحد على كلامي ولا تغيريه .. أنتي تنقلي كلامي اللى باقوله وبس .
الأم
:
حاضر .
الأب
:
" جانبا للأم " وأنتي إيه رأيك ؟
الأم
:
راجل وسيد الرجالة ..
الابن
:
راجل وسيد الرجالة كمان ؟ هو كده فعلا ولا بتقولي الكلام ده عشان تفتخري وخلاص ؟
الأم
:
" للابن جانباً " ما دام هو فاكر كده خلاص , سيبه .. خليه على راحته.
الأب
:
فضونا بقى من اللعبة البايخة دى وقولي لي .
الأم
:
نعم يا غالى ؟
الأب
:
أخوه فين الواد  ده ؟ بقاله مده مش باين .. هو لسه نايم برضه ؟
الأم
:
يا راجل يا ناكر النعمة . ما أنت عارف انه انتحر بقاله ييجي أسبوع وساب لك جواب.
الأب
:
جواب ؟ بس أنا ما قريتوش .
الأم
:
بيقول انه عيشته هناك هاتبقى أحسن كتير .
الأب
:
الله يرحمه ويغفر له بقى .. طول عمره حسيس . وصاحب واجب .. دفنتيه فين أمال ؟
الأم
:
أنت مش لسه واكل رز ولحمه من يومين ؟ 
الأب
:
كان  لذيذ الله يرحمه .. حتى وهو ميت مفيد .. مش زى واحد .
الأم
:
مش أنت مبسوط ؟  الدنيا وما فيها
الأب
:
" يشير لبطنه  " طالما هو مبسوط خلاص .. هو الأب مننا عاوز إيه  لولاده غير كده .. لو سمحتم .. ممكن نقف دقيقة حداد إكراماً للابن البار ؟؟    ( وقع أقدام في الخارج )
الابن
:
" يعدو نحو الباب " تفتكروا هايفتحولنا دلوقت ؟
الأم
:
" تمسك الابن من يده كي لا يقترب من الباب " مش عارفه    يا ضنايا .
الابن
:
يمكن افتكرونا ولا حاجه .. هاتروحى السوق النهارده ؟
الأم
:
" كمن تحاول التذكر " السوق ؟
الابن
:
آه .. السوق الكبير الزحمة ده اللي مليان فاكهه وخضار وناس وشنط ... ووو شمس .
الأم
:
ما افتكرش يا ابني الحاجات دى لسه موجودة لغاية دلوقت .. الحاجات دى كانت زمان بس .. لكن دلوقت مش عارفه بقى فيه إيه .اسمع ياضنايا  بلاش تفكر فى حاجه وريح نفسك .. إحنا لا هانعرف نروح ولا نيجى طول ما هما لسه ما عدوش ولا الموكب عدى  .. بس كل حاجه هايجى لها وقت وتنتهى 
الأب
:
" غاضباً " إحنا ممعناش تصريح خروج عشان نتحرك من هنا خطوة واحده ..
الابن
:
" في ثورة  وهو يحاول كسر الباب " يبقى أنا اللي ها اكسر الباب. " الأم تشده للخلف " هااكسَّر كل البيبان والشبابيك وهااخرج من هنا .. عدوا ولا ما عدوش .. مش هااستنى حد يدينى تصريح خروج
الأم
:
ما تبقاش مجنون وتهد اللي بيعملوه علشانا ...
الابن
:
" ينظر لأسفل الباب " جواب اهو .. يمكن جم ؟
الأب
:
" مسرعا نحو الابن "  أوعى تفتحه أحسن اشرب من دم أمك النهارده .. الجواب ده ليا أكيد .. وأنا ماحدش اتخلق لسه يقدر يفتح جواباتى ولا يتعدى على خصوصياتي . أوعى تعمل كده أحسن يبقى آخر يوم في عمرك أنت وهى  " يأخذه منه " .
الأم
:
" تقترب من الأب "خليك جدع بقى وقولنا ع اللي فيه . إحنا سرنا مع بعض .
الابن
:
" متهكما " تكونش فاكر أنه جواب غرامي ؟
الأب
:
" مازحا " ايوه غرامي  .. يا دنيا يا غرامي
الأم
:
من مين يا اخويا ؟
الأب
:
" يفض الرسالة ويقرأ "  منهم برضه .. بيطمنوا علينا .. بيسألوا اذا كنا محتاجين حاجه ولا لأ .. وبيقولوا الصبر حلو وبكرة تبقى آخر منجها .. وكتر خيرنا قوى .. ناس ذوق ذوق يعنى .
الابن
:
" ساخرا " وهما ها يقدروا يعملوا فينا إيه اكتر من كده ؟
الأب
:
بيقولوا فات الكتير وما بقاش إلا القليل ، ويا بخت من بات مغلوب ولا باتش غالب .. والعين متعلاش عن الحاجب .. وبيقولوا صبرا آل ياسر .. ياسر مين ؟ 
الأم
:
أنت إيه رأيك ؟ هانعمل إيه ؟
الأب
:
نعمل إيه فى إيه يا وليه ؟ انتى اتجننتى زى ابنك ولا ايه ؟؟ إحنا عبد المأمور .. اللي هما شايفينه يعملوه براحتهم .. أنا ماعنديش كلام أقوله في حاجه زى دى أبدا .. اللي مالوش كبير بيشترى له كبير .
الابن
:
" ساخرا " أهلا وسهلا .. يموت الجبناء مراتٍ عديدة قبل أن يأتي أجلهم ، أما الأحرار ....
الأب
:
" مقاطعاً ومتوددا للابن " أنت لسه مخاصمنى يا ابن العبيطة؟ وأمك برضه مخاصمها ؟ إحنا مالناش غير بعض ياابنى .. يعنى الشويه اللى احنا عايشينهم لازم نبقى متصالحين مع نفسنا ومع بعض كمان ..وانت لازم تساعدنا .. مش بعد ماربيناك وتعبنا في تربيتك وبقيت شحط كده ، تاخد جنب مننا وتسيبنا إحنا نعض في الأرض . 
الابن
:
اعملوا اللي انتوا عاوزينه لوحدكم  .
الأب
:
أصل  أنت ابن حرام مصفى .


( الابن يحاول التعدي على أبيه ويتناوشان والأم بينهما وبعد أن ينهك يتدثر في الملاءة باكيا حتى يخفت الضوء  .. بعد لحظة يسطع تدريجياً فلا نجد الأم والأب فقط نسمع ثمة تأوهات صادرة منهما . ينتفض الابن )
الابن
:
" ثائرا ويتخلل كلامه هذا أصوات للأم والأب وهما يتضاجعان" بتعملوا إيه دلوقت ؟ انتوا ايه ؟ مش حاسين بأي حاجة وعايشين حياتكم ولا حاسين بأي أزمة في الدنيا .. انتوا اللي زيكم كان لازم يموتوا من زمان .. بدل ما يفضلوا عايشين يعودونا ع الذل والقهر والمسكنة . انتوا عاجبكم اللي إحنا وصلنا له ده ؟ عاجبكم إزاى ؟ وإيه اللي عمل فيكم كده وخلاكم تعملوه فيا ؟ لقمة العيش ؟ ملعونة لقمة العيش  المتغمسة بطبخة الذل .. إيه هايموتونا أكتر ما إحنا ميتين ولا هايعملوا فينا إيه ؟ هايجرالنا ايه يعنى لو كسَّرنا الأبواب والشبابيك وقطَّعنا الكفن اللي حوالين البيت .. هايجرالنا إيه ..لو عودنا عنينا تانى تشوف الشمس وتشم ريحة الحرية ؟ إننا نحبّ الحياة لأننا نحبّ الحريّة، ونحبّ الموت متى كان الموت طريقا إلى الحياة
الأب
:
" يتحدث من الداخل " بلاش كلام فارغ .. أنت ما تعرفش ممكن يعملوا فينا إيه ؟ أنت اللي زيك بياكل طول عمره في قته محلولة ولاداقش يوم طعم السجن . لو صنف حاجة اتقطعت هاندفع تمنها .. إحنا عايشين فى ملكهم مش في ملكنا إحنا .. إحنا عبيد ما نملكش حاجه هنا ولا زم نكفى على خيبتنا ماجور وكفاية علينا نعمة الستر
الابن
:
يموت الجبناء مراتٍ عديدة قبل أن يأتي أجلهم ، أما الشجعان فيذوقون الموت مرةً واحدة
الأم
:
" تتحدث من الداخل " طبعا هو أنت هايهمك إيه لما يحطوا أتنين عساكر ع الباب يسمعوا صوتنا ويراقبونا .. لا هانعرف ساعتها نعيش ولا نتكلم نص كلمه ، ولا حتى نركز في اللي إحنا بنعمله ..
الأب
:
وساعتها مش هانعرف نعيش حياة عاديه يا حبيبى .
الابن
:
متهكماً " حياه عاديه ؟ يااااه .. انا نفسى اشوف حد فيهم واسأله عن رأيه فى الحياة العادية اللى احنا عايشينها فى الكفن ده .. لكن هانشوفهم فين وامتى  عشان اكلمهم ولا هما حتى هايشوفونا ليه ؟ ..  احنا العار اللى لازم يداروه عن عيون الخلق .. اقتلونا واخلصوا .. سايبنا عايشين ليه ؟ لكن مين يشوف ومين يسمع وكل حاكم فى برجه العالى مش شايف تحت رجليه مين اللى ميت ومين اللى حى ؟ الحرية هي ذلك التاج الذي يضعه الإنسان على رأسه ليصبح جديرا بإنسانيته
الأم
:
برج إيه وكلام فاضي إيه وتاج إيه ؟ ما تحترم نفسك شويه بقى.
الأب
:
ايوه احترم نفسك شويه بقى وسيبنا في حالنا يا آخى طالما عيشتنا مش عاجباك .
الابن
:
اللي إحنا فيه ده هو الموت نفسه مش الحياة .. لغاية دلوقتي لا فتحوا باب ولا شباك ولا شالوا الكفن من على القبر اللي إحنا فيه .. كان هيجرالهم إيه لو سابوا مجرد فتحة في الشباك نخرج منها للحياة والشمس ؟! أنا لا أطلب غير الحرية ، أن أكون حراً كالفَرَاش
الأم 
:
فراش مين يا روح أمك !! نخرج نروح فين ؟ عاوز تخرج عشان تقولهم كلامك الماسخ ده ولا تقولهم إيه ؟؟
الابن
:
يعني مش هتفتحوا الشباك ؟ أنا ها افتحه بنفسي .. ها اكسره بضوافري وسناني ويكون اللي يكون . ( يحاول أن يفتح النافذة فلا يستطيع أن حتى ينهك تماماً ثم تدخل الأم وهى تشذب شعرها في لا مبالاة )
الأم
:
أنا مش عارفه أنت مستعجل على إيه بس ؟ هانت يا ابنى كلها يومين ويعدوا
الأب
:
" يدخل " اكيد هايعدوا النهارده . انا قلبى حاسس بكده .. الصبر حلو .. بس انت واللى زيك هاتتعلموا الصبر فين .؟ داهية تقل مزاجك
الابن
:
قلت لك ماتكترش فى الكلام .. بقالك كام سنه بتقول الكلام ده وما فيش ولا صنف حاجه أتغيرت ؟  إحنا أتنسينا هنا خلاص .
الأم
:
لا أتنسينا ولا حاجه .. أنت بس اللي مش عاوز تقلع النضارة السودا اللي أنت حاططها على عينيك دى . ولا تسيبك من الكلام الفارغ بتاع الكتب اللي هيوديك ويودينا معاك في ستين داهية
الأب
:
طول عمرك وأنت بتسىء الظن في اقرب الناس واحن الناس عليك .. أنت عبيط يا ولا ؟ أنت عارف المسئول من دول لو عدى من هنا وعينيه أتأذت من منظر بيوتنا الصفيح دى ، ممكن يعمل عمليه في عينيه تكلف الدولة كام ؟ طبعا مش عارف ترد ولا عمرك ها تعرف .. وكمان أنت فاكر لو فيه فلوس في الدولة يعملولنا مساكن زى البني ادمين ويعيشونا فيها، كانوا أتأخروا علينا ؟؟ إحنا نبوس أدينا وش وضهر أنهم مخلينا لغاية دلوقت عاله ، وسايبنا ناكل من الزبالة يا حبيبى .. أنت بس اللي رِذل زى شباب الأيام الزرقة دي ، لا عارف تلت التلاته كام ، وغاوى بس منظرة ع الفاضى .
الابن
:
أنت واللي زيك عمركم ما حِلمتوا تغيروا الواقع اللى انتوا عايشينه ..
الأب  
:
المرض ده ربنا شفانا وعافانا منه خلاص وما عادلوش وجود بينا
الابن
:
أنا لسه مريض وهاافضل مريض ..
الأم
:
عشان بتنام ياحبة عينى و..... أيدك عريانة . أبقى غطيها كويس 
الابن
:
انا هاافتح الشباك واللي يحصل يحصل .. الأحرار لا يخافون من الحرية ، المستعبدون هم وحدهم الذين يخافون منها .
الأب
:
أنت ابن كلب طول عمرك ودماغك حجر .. كفاية بقى يا شيخ أنت إيه .. مش فاهم حاجه خالص كده ؟ مش مصدق ليه ؟ رأسك حجر ليه ؟ قلت لك مدورة ولون الدم وبتحدف صهد على مخاليق ربنا اللي زيي وزيك
الابن
:
زى إيه ؟ زى النار ؟
الأب
:
اعتبرها يا أخي زى النار وارتاح وريحنا . كل حاجة عاوز تعرفها كده حتى لو فيها موتنا ؟
الأم
:
ما تستعجلش يا ابني كل شيء له أوان .


 (يجلسون جميعا .. ألأب يأكل ، والأم تحاول إشعال الوابور .. والابن يحضر العديد من الكتب وهو يطالعها ، ويمكن أن يقرأ بعض المقولات الفلسفية الخاصة بالحرية )
الابن
:
" ثائرا " افتحوا الشباك .. لازم تفتحوه دلوقت .. أنا مش عارف أشوف الشمس ، ولا عارف أحسها ..
الأب
:
"صارخا فيه " مدورة مدوره .
الأم
:
مستطيله زى الأوضة الصفيح  .
الابن
:
عاوز أشوفها بنفسي .. طول عمري بسمع عنها وما بشوفهاش اعملوا أي حاجة عشان خاطري ... أرجوكم .. إحنا عملنا إيه عشان نقضي اللي باقي من عمرنا في الكفن ده ؟؟
الأب
:
لو خرجنا ما حدش هاسيبنا فى حالنا صدقني .
الابن
:
طول عمرك ميت خايف من ضلك ..
الأب
:
هايزنقونا فى اوضه ضلمه وهاتك يا سين وجيم لغاية ما نقول حقنا برقبتنا ..
( موسيقى صاخبة مفاجئة وكأنها آتية من عالمٍ آخر )
صوت1
:
" من الخارج  " لماذا فتحت  النافذة ؟
الأب
:
عشان ابني يا باشا ما كانش فاكر الشمس  .
صوت2
:
كان باستطاعتك أن تصفها له .
الأب
:
والله العظيم حاولت كتير بس الجيل ده دماغه جزمه قديمه      يا باشا .. قلت له أنها مدورة .. مش هي مدورة برضه ولا اتصرفتوا فيها يا باشا ؟
صوت1
:
هي كذلك فعلاً .
الأب
:
الحمد لله .. أنى لسه فاكرها يا باشا . .
صوت2
:
انك تحاول التغابي .. فتحتها لكي تقوم بفعل إرهابي " للابن " وأنت ؟ ماذا كنت تنوى أن تفعل ؟
الابن
:
أبصق عليهم جميعاً .. من أجلهما ومن أجل كل الذين يرقدون خلف السواتر القماشية الملونة القذرة انتظاراً لمرورهم من هنا.. افتحا النافذة الآن .. لا وقت لهذا التمثيل الفارغ الحقير .. افتحا النافذة حتى تدخل الشمس .( صوت ضحكات من الخارج ، وتتكرر الضحكات حتى تتلاشي تدريجياً )
الأب
:
ما هو أنت لو تهدى بس . كنت صارحتك بكل حاجه .أنا ممكن افتح الشباك وكل حاجه بس الشمس ما تقدرش تدخل من الشباك
الابن
:
ما تقدرش ليه تدخل من الشباك ؟
الأب
:
" يمسك بعصاه ويشير إلى النافذة كمدرس " إنها أكبر من الأرض ألاف المرات .. والنافذة أصغر من الأرض ألاف المرات .. فكيف تستطيع الدخول عبر النافذة ؟
الأم
:
صح كده الله ينور عليك .. يعنى لو أنت كنت الشمس .. كنت ازاى ها تدخل من الشباك ؟
الابن
:
" حائرا ومنكسرا " يعنى ما فيش فايدة ؟ يبقى لازم آخد قرار.. ليس المهم كيف نموت المهم بل كيف نعيش
الأم
:
ياريتنا كان بأيدنا نعرف نساعدك يا ابني أنا ولا أبوك .
الأب
:
لكن اعمل حسابك يا ابن الناس أنت اللي لازم تشيل المسئولية لوحدك .. إحنا لا حرقناك ولا هوبنا ناحيتك ..
الأم
:
صح كده .. لا موتناك ولا هوبنا ناحيتك .
الأب
:
ولازم تطلع راجل وتكتب اعتراف بخط أيديك انك أنت اللي عملت كده في نفسك وأنت بعقلك .
الأم
:
إحنا عشنا غلابة طول عمرنا ومش عاوزين من ربنا غير إننا نموت مستورين وصالبين طولنا بس وسمعتنا حلوة . لازم تكتب انك أنت اللي عملت كده في نفسك بإرادتك .
الابن
:
مش بإرادتي لأ .. اللي إحنا وصلنا له ده أنا مليش دخل فيه .. انتوا بصمتكم وركوعكم اللي خلتونا كده .. أما عقلي ، فملكوش دعوة بيه .. دي الحاجة الوحيدة اللي بملك حرية التصرف فيها " ينظر للأم مستنجداً  " أمي
الأم
:
سامحني يا ضنايا .. أنا مش عارفة هاعيش أزاي لو نفذت اللي في دماغك ؟
الابن
:
خايفة عليا لاموت ؟؟
الأم
:
لأ .. بس عشان جتتك ها تعفن .. وساعتها لا ها نعرف نخرج نشم نفسنا ولا هانعيش طايقين الريحة .
الأب
:
عشان الريحة ساعتها أجارك الله  .
الابن
:
يعني ده آخر كلام عندكم " يهم بالخروج " .
الأم
:
" بحنان " طب اسمع يا حبيبي مادام نويت يبقى لازم أقولك على سر مخبياه من سنين . " الابن ينظر لها بحنان " كان فيه شوية جاز زيادة في الصفيحة الزرقا شايلاهم لوقت عوزة .. خدهم يا ضنايا حلال عليك .
الابن
:
" ينظر لهما طويلا " ما حدش عاوز يقول حاجه تانى  ؟
الأب
:
لا يا ابني ,, كل اللي لازم تعرفه إننا إذا كنا قصرنا في حقك في يوم من الأيام فده عشان كنا طول عمرنا عايشين في الضيقة وأيد قصيرة وعين مش بصيرة . لو مش مصدقنا .. يبقى براحتك .. إحنا قلنا كل اللي ممكن يتقال في حاله زى دى .
الأم
:
ولو كنت تقدر تفتح الشباك افتحه يا ضنايا وما حدش هايقولك بتعمل إيه ؟
الأب
:
" مؤكدا " افتحه .. بس قبل ما تفتحه خرَّجنا أنا وأمك من الموضوع ده خالص .. إحنا لا شوفناك ولا شوفتنا .. لا عرفناك ولا أنت عرفتنا .. أحنا حيا لله كنا أتنين معديين من هنا وشوفنا حريقه وعملنا الواجب وبلَّغنا وبس .. وربنا يجازينا على حسن نيتنا يا ابني 
الابن
:
" يحاول فتح النافذة بكافة الطرق فلا يطولها فينهك "  الشباك بقى فوووق ..بقى عالي قوي .. وانا اللي انحنيت وضهري قوِّس !! ما فيش فايدة .. أنا ها ادلق الجاز كله وها اولع عيدان الكبريت كلها .. مش ها اسيبلكم فرصة واحدة ممكن تدوقوا فيها متعة الموت الحقيقي لو جاتلكم الجرأة وفكرتوا فيه ... تكمن الحرية في تحلي المرء بالشجاعة
الأب
:
أوعى تكبه عليك كله يا ابن الجاحدة .. هو أنت إيه فاكرنا هانفضل كده طول عمرنا ومش هاييجى علينا يوم نحتاجه ؟ عاوز أنت ترتاح وأنا وأمك ياكلنا قطر ؟
الأم
:
عشان خاطري لو شويه صغيرين سيبتهم نعرف نسخن لناعلبتين فول ولا فاصوليا يصلبوا طولنا على ما نعرف أخرتنا إيه يا ضنايا ... عارف لو ما كانوش بيحبونا الناس دول .. ما كانوش جابولنا كل العلب دى عشان ناكل لغاية ما يخلصوا شغلانتهم .. يعنى لو ما كانوش سابوا حاجه ولا كنا عرفنا ننطق برضه بنص كلمة ، وكنا موتنا كلنا من الجوع .. صح ولا مش صح ؟
الأب
:
صح .
الأم
:
يبقى تسيبلنا شويه صغيرين يا ابنى ندبر بيهم حالنا مش هايبقى جوع وخراب ديار .. وحياة الغاليين ما تكب على نفسك الجاز كله.
الابن
:
ما انا ممكن ما امومتش لو دلقت شويه صغيرين .
الأب
:
هاتموت وهاتبقى زى الفل ,, خلى عندك إيمان بربنا .. وأنا من عندي هااعمل اللى عليا وادعى لك من كل قلبي ربى يوفقك .. " يأخذه جانبا " مش عاوز فلوس ولا حاجه قبل ما تموت يا ابني ؟
الابن
:
" متستغرباً "
الأب
:
بص ,, أنا هاادلق الجاز على راسك وأنت تولع بس عود الكبريت وتقربه  " الابن ينظر لأمه مستنجدا ، بينما الأب يأخذ الأم من أمامه " أمك هاتقف بعيد عشان أنت عارف أعصابها ما تستحملش .. بس والله لا اخليها تدعى لك من قلبها، انك تبقى مع الشُهدا والأنبيا والشمس ذات نفسها .
الابن
:
الشمس ؟
الأب
:
آه .
الابن
:
بقت فكرة قديمة قوي .
الأم
:
" والأب معا " بتقول إيه  ؟
الابن
:
أنتم لا تدركون أهمية أن يغيب واحد عن شمسه في صبيحة حياته .. أنتوا فاكرين إننا لما نكبر هتكون عندنا نفس الرغبة نعمل اللي كنا عاوزين نعمله وإحنا صغيرين ؟؟ دلوقتي لما    با افكر في الموت با أحس أني شجاع وقوي .. ولما بفكر في الحياة با أحس أني شجاع وقوي .. لكن لما الحياة بتساوي الموت ، بيضيع أي معنى للوجود .. ما قيمة الحياة بغير الحرية ؟ وما قيمة الحرية ، إذا ما فقدنا القدرة على الحياة ؟ّ
الأب
:
إيه ده ؟ جواب ؟ ( يلتقطه ملهوفا )
الأم
:
مين اللى بعته ؟؟
الأب
:
مش مكتوب فيه ولا كلمه واحده


( موسيقى .. وفجأة تفتح النافذة بعنف ويعم الضوء )
الأم
:
مين  اللي فتح الشباك ؟ ؟
الأب
:
الشباك هو اللي انفتح ..
الأم
:
مين اللى  فتحه ؟
الابن
:
" وهو يستدير ليدخل الحمام " فتحوه اللي قفلوه .. اللي في أيديهم القرار ، أما إحنا ، فمعندناش القدرة حتى على القرار ولا حتى على فعل أي شيء.
الأم
:
" تنظر للخارج " ياااه الفِرَاشة انشالت من ع البيت .. والشوارع رجعت وسخه زى ما كانت ..
الأب
:
يبقى أكيد بقالهم زمان مش هنا .
ص الابن
:
" مضخماً وهو يحترق ونلمح الحريق أو الضوء خارجا من الحمام " دلوقتي يقدروا يغطوا البيوت .. دلوقتي يقدروا يكشفوها .. دلوقتي يقدروا يمروا .. أما نحن فقد سلمنا أرواحنا ورؤوسنا على نحو مشين 
الأم
:
تعالى بص .. دى طلعت مدورة . .
الابن
:
فليظلوا هم الرؤوس التي تطرحنا حول الموائد المستديرة
الأب
:
أنا كنت عارف من الأول أنها مدورة .. لكن أنتي ما كنتيش مصدقة خالص .. أعملك إيه عشان تصدقي ؟
الابن

وليطرحونا تحت غطاءات العفن المرير والأقوال الطنانه والسواتر القماشية الملونة .


( تتكرر جمل الابن والأم والأب السابقة في شكل بلاي باك وهي متداخلة وممزوجة ويصاحبها موسيقى صاخبة ، ثم يصرخ الابن صرخته الأخيرة بينما الأب والأم يتطلعان نحو النافذة ، بينما تنسحب الإضاءة تدريجياً )
بلاي باك

أنا الذي عمري اشتياق في اشتياق
وقطر داخل في محطة فراق
قصدت نبع السم وشربت سم
من كُتر شوقي وعشمي في الترياق
عجبي !!



إظـــــــــــــلام



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

من برنامج المسرح فى الصعيد ---قناة طيبة

من برنامج المسرح فى الصعيد تجربة مسرح المقهورين باسوان اخراج سحر جروبى . برنامج المسرح فى الصعيد رابط المشاهدة   ...