الأحد، 19 مايو 2013

حفلة على شرف العائلة


 حفلة على شرف العائلة



سعيد حجاج 






الشخصيات.
1-       الجــد
2-       الأب
3-       الأم
4-       الابن الأكبر
5-       الابن الأصغر
6-       الابنة
7-       زوج الابنة
أصوات من الخارج
8-أم
9-أب
10-طفل
11-الابن الشاب

اللوحة الأولي

(المسرح عبارة عن صالون لعائلة متوسطة الوضع الاجتماعي, في منتصف المسرح توجد منضدة كبيرة بمفرش مزخرف وضعت فوقها تورتة بها العديد من الشموع المطفأة. في أسفل يسار المسرح كرسي متحرك يجلس عليه الجد العجوز. في صدر المسرح توجد صورة علوية للابنة الغائبة.وفوقها تماما توجد صورة أخرى للابن الغائب. سقف المسرح خشبي يسهل تحريكه صعودا وهبوطا. )
-   الابن الأصغر ويشار له "الابن ص " يدخل إلي المسرح ينظر      نحو الجد نظرة خالية من المعني. ثم يوقد الشموع في التورتة.

الابن ص    : كيف حال القنفذ ؟

الجد         : يغني .
الابن ص    : مازال ؟
الجد         : يغني بالشوك .
الابن ص    : " ساخرا " بالشوك ؟
                                          (يدخل الأب)
الأب         : مساء الخير .
الجد         :مساء الخير .
( الأب ينظر شذرا نحو الجد ولسان حاله يقول أنه لم يقصده بالتحية )
الأب         : " للابن " لماذا لا ترد ؟
الجد         : قلت مساء الخير .
                                  ( الأب ينظر له غاضبا )
الابن ص    : الليلة ؟
الأب         : نعم أنا متأكد .
الابن ص    : وإذا لم يأت  أحد ككل ليله ؟
الأب         : لا تثرثر.
الابن ص    : وهل اصمت أذن ؟
                                  ( صمت. الأم تمر مسرعة )
الابن ص    : ماذا حدث ؟
الجد         : ماذا ؟
الابن ص    : القنفذه .
الجد         : " ساخرا" القنفذه ؟ هذه ؟
( صمت. الجد يدندن بلحن أغنية قديمة, الأم تمر            ثانية وهي تحمل أدوات مطبخية تغطيها)
الأب  : " يلتفت نحو الأم" ماذا تفعلين ؟ ماذا تفعلين ؟
                                  ( الأم لا ترد وتمر مسرعة )
الجد         : " ساخرا " الاحتفال .. تعد للاحتفال.
                                         ( صمت طويل )
الأب         : قل شيئا .
الابن ص    : شيئا .
( صمت. تدخل الأم )
الأم          : صباح الخير .
الابن ص    : " مصححا " مساء الخير .
الأم          : صباح الخير .
الأب         : صباح الخير .
الأم          : سيكون كل شيء علي ما يرام .
الأب         : كل شيء ؟
الابن ص    : " مصححا مرة أخري " مساء الخير . مساء الخير.
الأم          : كل شيء .. لقد فرغت توا من إعداد كل شيء.
الأب         : هل تحتاجين لمساعدة مني ؟ أنني لا أفعل شيئا.
الأم          : " تشير نحو التورتة " الشموع .
الأب         : " للابن " الديك نقود ؟
نقود.: " كمن يتذكر شيئا بهذا المعني " نقود.. نقود .
الأب ص     : ربما هناك .
الأب         : " للجد " لسنا بحاجة لشيء منك .
( يخرج الابن ص للحجرة المجاورة )
الأب         : " للأم " أين ذهب ؟
الأم          : ربما هناك .
( يخرج الأب )
الأم          : " للجد " أين ذهبا ؟
الجد         : هه ؟
الأم          : هما.
الجد            :  " يتودد للأم " امكثي معي قليلا . أنت الوحيدة التي أتحدث إليها هنا.. لكن حين أراك تشاركينهم نفس طقوسهم العفنة..  أتذكر أن لك يد فيما يحدث هنا فأتضايق . أشعر بالضيق للحظة ثم أقول لنفسي.. لا جدوى كلهم خونه.  حتى أنت. هه. حتى أنت..اذهبي يا خائنة والا فلتتعلمي الغناء.
( تخرج الأم ويبقي الجد وحيدا )
الجد         : حسنا جدا .
( يتحرك الجد نحو مقدمة المسرح بينما تخفت الإضاءة تدريجيا حتى )

                           إظــــــلام







اللوحة الثانية

   ( نفس المنظر السابق. الجميع علي المسرح, طرقات رتيبة علي الباب الجميع يهب واقفا ماعدا الجد, تزداد الطرقات. الأب يفتح الباب. ينظر خارجا. يعود وعلي وجهه خيبة أمل.الجميع ينظر إليه متسائلا )

الأب        : لا أحد " يجلس مع الجميع "
الأم         : من ؟
الابن ص   : كيف ؟
الأب        : كما رأيتم . لا أحد.
الأم         :من إذن طرق الباب .
الأب        : " غاضبا " الفراغ .
الابن ص   : " بحدة " كيف ؟
الأب        : طرقته الريح .
الأم         : وكيف تجزم بذلك ؟
الأب        : " منفجرا " يووووه  " ينسحب خارجا "
الأم         : " تذهب للجد " ابنك مجنون .
الجد         : " يبتسم "
الأم         : أليس ابنك ؟
الجد         : من ؟
الأم         : ابنك .
الجد         : أليس زوجك ؟
الأم         : " تنسحب غاضبة ؟ يووووه.
الابن ص   : " يذهب للجد " ابنك أصيب بلوثة عقلية بالغة الخطر علينا  جميعا .        ا ما أن تنصحه أو تستأصله.
الجد         : لقد كبر وفهم كل شيء وانتهي دوري عند هذا الحد .
الابن ص   : عليك أن تنصحه بالهدوء . أنا لن أستطيع تحمله بعد الآن
الجد         : " باستغراب " لا تستطيع تحمله بعد الآن ؟
الابن ص   : مرة يقول الريح ومرة يقول الفراغ .. دعه يحدد بالضبط من طرق     الباب.انصحه بالهدوء هنا ولن أكرر ما قلت مرة ثانية.
الجد         : فليكن . لقد فلت عيار الأشياء علي نحو سيئ.. لو كانت جدتك ما تزال علي وجه الأرض لتغير وجه الأشياء.. لتعلم أبوك الأدب وما استطعت أن تصرخ هكذا وأنت تضع ساقا علي ساق. دخن في حضرتي أيها الولد العاق.
الابن ص   : ذهبنا به لكل الأطباء تقريبا . وكل الأطباء قالوا به مس من الشيطان. وأنت لا تشعر بأي شيء.
الجد         : لقد جئت إلي هذا المورستان حين رأيت كل شيء ينحدر إلي أسفل . جئت كي أصلح ما بقي وأعيد الأشياء إلي وضعها الصحيح.
الابن ص   : فقدت صوابك .
الجد         :أنا مستمتع بهذا .
الابن ص   : أنت أيضا بك مس من الشياطين جميعا .
الجد         : إن الشياطين جميعا أكثر رفقا بالشيوخ منك ومن أبيك .
الابن ص : " يقلد الجد " أنا مستمتع بهذا .. هل تعرف لماذا أنت مستمتع بهذا؟
الجد         : لا لا أعرف .
الابن ص   : انك مستفز . لكنك علي كل حال لن تستفزني..اترك المكان وأغضب كالآخرين.
الجد         : " ينظر له باسما "
الابن ص   : " ينكمش فوق مقعده . نسمع موسيقي حالمة حتى يزول التوتر" هل تأمل في شيء يا جدي ؟
الجد         : آمل في أشياء كثيرة .
الابن ص   : هل كنت صغيرا فيما مضي ومثل جميع الناس ؟
الجد         : تماما كما القنفذ .
الابن ص   : آه .. آه وماذا حدث بعد ذلك ؟
الجد         : بعد ماذا ؟
الابن ص   : القنفذ .
الجد         : " ينظر إليه " هل جعت ؟ أنا جعت.
الابن ص   : هيا نغني للحلم يا جدي .
الجد         : " يحدق فيه طويلا " نغني كالقنفذ ؟
الابن ص   : نغني كالقنفذ .
الجد         : أنت عبيط .
الابن ص   : " صارخا فيه " أنت دائما هكذا .
الجد         : " ينظر له صامتا "
الابن ص  : انك مستفز .
( طرق شديد علي الباب, يدخل الأب والأم.مندفعين نحو الباب لكن الابن يسبقهما. ويفتحه )
الابن ص   : من ؟ 
) لا أحد يرد  ، يخرج ليبحث ويترك الباب مفتوحا .. الأم والأب يتلصصان دون أن يخرجا (
الأم         : " للأب " انظر جيدا .. انظر جيدا بالخارج. هه انظر بسرعة .
الأب        : " ينظر لها متوجسا " ماذا تبغين يا امرأة ؟
الأم         : لقد خرج بعيدا .بعيدا جدا في الصحراء.
الأب        : أنا لا أستطيع ذلك .
الجد         : لا يستطيع ذلك لأنه 0000
( يدخل الابن ص فيصمت الجد )
الأب        : " يتحسس الابن جيدا وكأنه يتأكد من وجوده " هل أنت بخير ؟
الابن ص   : ما معني أن أكون بخير مثلا ؟
الأب        : من طرق الباب ؟
الابن ص   : لا أحد .
الأب        : كيف ؟
الأم         : " تقترب من الابن " كيف ؟
الابن ص   : اسأليه .
الأم         : كيف يا زوجي الحبيب ؟
الأب        : طرقته الريح .
الأم         : "تعود إلي مكانها متمتمة " كيف ؟ كيف هذا ؟
                                                      ( صمت )
الجد         : ( ينظر لصورة الابن الأكبر ويحدق فيها ) كأنني أرى المرحوم                أبى ..  هو. هو. ..
الابن ص   : من ؟
الجد         : " مشيرا للصورة " هذا الجرو الحبيب . كأنه أبي تماما.الأنف واأيضا. والشفاه أيضا . فقط أذناه مختلفتان قليلا جدا. مختلفتان إلي حد ما.
الابن ص   : جدي لم يكن مثله علي الإطلاق .
الجد         : انك لا تستطيع الرؤية جيدا يا فتي . فقد سلبت التفاهة عقلك فصرت ذا بصيرة مهترأة.
الأب        : لم تكن عينا جدي كعيني هذا الولد .
الجد         : قلوبكم أيضا عمياء .
الابن ص   : " يضحك ساخرا "
الجد         : انظروا إلى فتحة عينيه وشفتيه .. انظروا جيدا.
الابن ص   : لقد قلت هذا عشرات المرات .
الأب        : لقد أصبحت مثيرا للشفقة في رأيي .
الجد         : اسكتوا جميعا فإنكم خونه .. لا تقتربوا أيها الخونة من تاريخ العائلة فكفاكم ما فعلتموه بجروي الحبيب.. وقطتي التي لم تبلغ الحلم بعد.  لقد جئت هنا لا لشيء إلا لكي أدافع عن البقية الباقية من شرف العائلة وتاريخها المجيد فإنني وحدي القادر علي ذلك لأنني الوحيد الذي يملك الحقيقة هنا.
الابن ص   : " ساخرا " أية حقيقة تتحدث عنها يا جدي ؟
الجد         : حقيقة الفرسان الأوائل .آبائي أجدادي.لقد عاشوا قدر ما عاشوا            ولم يزيفوا التاريخ ولم يفرطوا في الشرف يوما تحت أي من الظروف القاتلة " مفاخرا " جدي سيف الله المسنون.
الأب        : " مصححا " المسلول . المسلول.
الجد         : " مستهزئا به " ذلك خالد بن الوليد إنما المسنون جدي كافح             حتى النفس الأخير كالرجال ولم ينتظر  أحدا يأتي له بالفردوس        المفقود .أما أنت فقد فقدت شرعية الدفاع عن العائلة وتاريخها          العظيم. يوم وافقت علي بيع ابنتك لرجل لا ترغب في عشرته         واغتصبت حقها في أن تختار رفيق عمرها وأنيس شيخوختها حين         تشيخ وتهرم.ابكوا التاريخ أيها الخونة.التاريخ كله ابكوه.أما تاريخ عائلتي سيبقى جبلا أشم ما بقيت.
الأب        : تماما أيها العجوز كما قلت . ذلك إن كان الزواج في عرفك بيعا. بعتها كما بعت كل شيء.فكلنا إلي زوال .
الجد         : عاديت الكثيرين والأرض بعتها وتقاليد العائلة تخليت  عنها ..               فماذا أبقيت ؟
الأب        : أية عائلة تلك التي تتحدث عنها ؟ أية ارض ؟ إن ما أريده من الأرض لا يعدو أن يكون سوي قبر صغير قبر صغير جدا. بعيد عن البلدة التي تغرق أبنائها في مستنقعات التشتت والأرق. وهذا ما وجدته. وهذا  ما وجدته هنا.
الابن ص   : في الصحراء .. هل تفهم في الصحراء.
الجد         : في الصحراء المجدبة بلا معني .
الأب        : الناس هناك يرحلون فجأة ولا نجاة من الوقت إلا بالهروب . ولقد          هربنا جميعا من مكان إلي مكان. حتى انتهي بنا الأمر إلي هذه القطعة البعيدة النائية من الصحراء الشاسعة البهيجة .
الأم         : أية بهجة تتحدث عنها ؟
الأب        : في صف من أنت أيتها المرأة ؟ أنا زوجك وهو لاشيء بالنسبة لنا      جميعا.
الابن ص   :حتى أنا . اذكر له هذا أيضا فأنا لا أعرف عما يتحدث من بدء الخليقة.
الأب        : " يدور بينهم كمن يشرح درسا " الإنسان العاقل لابد وحتما أن يبحث عن مصلحته الشخصية أو بالأحرى عن مصلحته الشخصية ومصلحة من يحب  الشخصية ومصلحتنا نحن كانت هنا .. ماعدا أبي طبعا. لا تهمني مصلحته الشخصية بقدر ما تهمني مصلحتي الشخصية ومصلحتكم الشخصية..ومنذ ذلك اليوم عشنا هنا وتركنا البلدة لأهلها أما نحن فقد كنا غرباء لأننا علي ما يبدو..
الجد         :أرجو أن تسكت فظاظتك تثير أعصابي المتعبة . انك لا تخرج من فمك سوي الكلمات الفظة. من علمك هذا يا ولد؟
الأب        :أنت .
                                               ( صمت )
الابن ص    : " يتجه نحو التورتة "ستنطفيء كل الشموع في كعكة احتفالنا وليس لدينا سواها أيها السادة.
الأب        : سيأتيان قريبا بشموع أخري كثيرة .
الابن ص    : ومن سيأتي بالكعكة إذا ما أفسدتها الشموع ؟
الأب               : سيسددان ثمنها من اموالهما الكثيرة .وسوف يأتيان لنحتفل بحضورهما الكثير.
الابن ص    : هل تعتقد هذا حقا؟
الأب        : إلي حد كثير .
الابن ص    : وسوف نحتفل بحضورهما ؟
الأب        : وسوف نحتفل بحضورهما إلي حد كثير .
الابن ص    : لقد كلمته أن يحضر لي من هناك سيارة حمراء وملابس أنيقة . سأكون أنيقا عما قريب هل تعرف سوف أغير ملابسي كل يوم.. لا لا كل ساعة. سأغيرها حتما حين اشعر بالضيق منها..وسأشعر بهذا حتما كل دقيقة. لأنها جديدة وتضايق هل تعرفون سوف يضرب الجميع المثل بأناقتي وعطري.
        الجد         : هراء.
           الابن ص : كلمتها أيضا أن تحضر لي امرأة من هناك .. شقراء قلت لها لابد أن تكون شقراء وفاتنة ولها جسد مؤهل لكل شيء. قلت لها: لابد أن تكون شقراء وفاتنة تذكري جيدا يا أختاه. وتذكري لأنني لن اقبلها بغير هيئتها التي رسمتها في مخيلتي. سوف تأتي بحلمي يا جدي عما قريب.
الجد         :هــــراء .
الابن ص    : مكوثك المميت هنا هو الجدير بأن يسمي هراء دعني اعش لحظة الحلم دقيقة حتى لو كان بعيدا ..
الأب        : أو صعبا .
الأم          : أو مستحيلا .
الأب        : إنها لحظة ممتعة تحرم منها الآخرين .
الجد         : لن أموت قريبا .
الابن ص    : ذلك من سوء الحظ يا جدي .
الجد                :  " للأم " دعي ابنك يحدثني بأدب والا سيكون لي معه شأن               آخر قولي له إنني لم أحدث أحدا يوما ما وأنا اجلس كما يفعل الآن . كما أنني كنت فتيا افعل ما أريد وحدي. بل إنني لم انتظر أحدا يصنع لي حياتي.
الأم        : هه ؟
الجد : دعي ابنك يحدثني بأدب والا 0000
الأب       : " مكملا بسخرية "سيكون لي معه شأن آخر .
الأم               :حاضر. حدثه بأدب والا سيكون له معك شأن آخر "للأب " نبه عليه والا سيكون له معه شأن آخر.
الأب       : ليس لي شأن به .
الجد : ليس لديك شعور بالود نحوي .
الأب       : وأنا مستمتع بهذا .
الجد : ماذا فعلت لكي تكرهني إلي هذا الحد ؟
الأب       : مكثت أكثر من ثلاثة أيام منذ تهدم بيتك..لماذا لم يتهدم فوق رأسك ؟
الجد       : إرادة الله أرادت ألا تعبثوا بما بقي من شرف العائلة بعدما فقدت شرعية الدفاع عنه أيها الوغد .
الأب       : لماذا لم يتهدم البيت فوق رأسك كي يستريح العالم ويحلم بالقادمين ؟
الجد :لكي أعلمكم أن تكونوا انتم القادمين .
الأب       : لقد شخنا تماما ولم نعد قادرين علي طرد الذباب من فوق وجوهنا .
الجد : أيعجبك هذا يا امرأة ؟
الأم        :لا يعجبني .
الجد : إذن افعلي شيئا وردي لي الجميل الذي أسديته لك قديما .
الأب       :أنت تسدي جميلا لأحد ؟ لو كان ذلك ممكنا لما أنجبتني في هذا الضجيج.
الجد : أنا الذي زوجتك له يا امرأة .
الأم        : " برفق " تذكر سيئة أقل .. فلربما تشفع لك بتدخلي أيها العجوز.
الجد : " يبتسم للنكتة "
الأب       : وجهك في وجهي ولاشيء يتغير مطلقا . إنني علي كل حال كالملاك.
الجد : لأنك تستضيفني في هذا الخلاء الموحش ؟        
الأب         : لأنني تحملتك ثلاثة أيام كاملة .
الجد : يوما واحدا أسميته ثلاثة ؟
الأب         : اثنتان وسبعون ساعة .
الجد : هكذا إذن .
الأب       : مائة وثلاثة آلاف وستمائة وثمانون دقيقة.
الجد : " بلا انفعال " كم ثانية تحملتها إذن ؟
الأب       : ستة ملايين ومائتان وعشرين ألفا وثمانمائة ثانية .
الجد : وغد .
الأب       : وأنت أبي .
الجد : لن تربح شيئا .
الأب       :ذلك من جراء غضبك علي .. ماذا فعلت لك لكي تنجبني في هذا الضجيج ؟
الابن ص  : كي تحافظ على شرف العائلة وتاريخها المجيد .
الأب       : هذا زعم جدك .
الجد : لقد أنجبت قردا .
الأب       : لقد تحملت بما فيه الكفاية . ستة ملايين ومائتين وعشرين ألفا وثمانمائة ثانية ويبدو انك لن ترحل.
الجد : يوما واحدا أسميته ثلاثة . هل تتصور أنني مغيب إلي هذا الحد ؟
الأب       : " مصرا " ثلاثة أيام .
الجد       : ثلاثة أيام ؟ إذن هو الثور الذي يحمل الأرض علي قرنيه استعجل القيامة فتركها تهوي إلي الجحيم.
الأب       : " ساخرا " الجحيم ؟
الجد : لقد هوت بالفعل .
الأب       : انك تهذي .
الجد : يا جبان .
(طرق رتيب علي الباب.يهبون جميعا والأب يفتح الباب يدخل الابن الأكبر يرسمون علي وجوههم ابتسامة بلهاء بينما الجد ينظر إليه مبتهجا)
الابن ص : " يصعد فوق  احد المقاعد ويصرخ فيه " أين الملابس الجديدة ؟
( الابن الأكبر يجلس منهكا )
الابن ص : قلت لك أين الملابس الجديدة ؟
الأم        : " تخبط يدها علي صدرها " خالي الوفاض عدت ؟
الأب       :  كل من تنجبينهم كسالي لا يصلحون في شيء علي الإطلاق .
الجد : كفي ثرثرة .
الأب       : تحدث من أيها العجوز الخرف ؟
الابن ص : هل تركت كل شيء هناك ؟
الأم        : ماذا ؟
الابن ص  : ترك الحقيبة في المطار .
الأب       : " مازال مواجها للجد " تحدث من .. هه ؟
الابن ص  : حقيبة الملابس الأنيقة .
الجد : " يغني " ستسأل عنها يا ولدي في كل مكان .. ستسأل عنها موج البحر                                   و تسأل فيروز الشطآن.
الابن ص  : "للجد " اسكت ..  " للأخ " تكلم.
الجد : وتجوب بحارا وبحارا .. وتفيض دموعك انهارا.
الابن ص  : قلت اسكت أرجوك . "  للأخ " تكلم لماذا لا تحرك ساكنا ؟
الابن ص  :  " ينظر له في صمت "
الأب       :  "للابن ص " اتركه لي . " للابن ك " لماذا لا تحرك ساكنا ؟
الأم        : " للأب" اتركه لي  " للابن ص " لماذا لا تحرك ساكنا .
الابن ص  : حرك ساكنا أرجوك .
 الأب ك   : " يهم بالدخول فيقفون جميعا أمامه ماعدا الجد بالطبع "    
الجد : " ساخرا " إنهم يحركون ساكنا . اتركوه وشأنه.. ماذا تريدون منه ؟
الابن ك   : " يرتمي في أحضان الجد " سأموت يا جدي .
الجد       : لن يتركوك للموت دون أن يحصلوا منك علي بغيتهم . لقد انتظروك طويلا واختزنوا مجيئك كواحد من أحلامهم.
الابن ك   : الغربة يا جدي .
الأم               : اجلس وحدثنا عنها .. هل هي جميلة حقا كما يشيعون عنها ؟ هل كنت سعيدا فيها ؟ لماذا تنظر إلي هكذا حدق النظر جيدا مرة أخري . هل كست التجاعيد وجهي علي نحو كبير
الابن ك   : علي نحو كبير .
الأم               : " كأنها تنتظر هذه الإجابة " ذلك لأنني كنت شقية    لأجلك حين تركت البيت ذات صباح لاعناً انتظارنا الطويل .. تركت البيت لا لشيء ألا لكي تبحث لنفسك عن جدوى كما تزعم.. وكي تعود غانما , ليس لنا بل لك .. لكي تتزوج وتنجب أطفالا يملأون البيت بالصياح والضجيج. لكنك خالي الوفاض عدت لماذا..
الابن ص  : " مكملا " عدت ؟
الأب       : وذلك ما لم يخطر ببالنا أبدا.. تركناك تخرج ووافقنا     بسرعة مذهلة كي نأمل عودتك. ماذا ننتظر الآن؟هه تكلم هل نبقي للأبد بلاشيء ننتظره ؟ ننتظر اللاشيء ؟
الابن ص  : " يربت علي كتف الأب " انها مازالت هناك ..نستطيع جميعا أن ننتظر مرة أخري ونعقد الآمال عليها وحدها " للأخ " أما أنت فقد عهدتك خائبا لماذا كنت تسرق مني الحلوى واللعب مادمت تعرف جيدا أن لن تردها لي ذات يوم ؟
الجد : هراء
الأب       : ما هو هذا الهراء الذي تتحدث عنه ؟ هل هو ما نفعله الآن.. ام اللاجدوي. ايهما ؟ إن انتظارنا يضفي علي حياتنا العابسة الوجه بعضا من الفرح حثي ولو كان علي شكل شجار يومي.. انه شيء علي أي حال نفعله ونحن راضيين عنه تمام الرضا.. أما أنت فقد فقدت كل رغبة في العيش وفي الحياة.
الجد       : لم افقد أية رغبة في الحياة . لكن لو شئت الدقة فإنني           أصارحك بفقداني لرغبتي في الحياة معكم.
الأب       : اتركنا وارحل    .
الجد       : لكن ما يدفعني لقبولها الآن هو تعهدي مع أجدادي القدامى اسكنهم الله فسيح جناته وسقاهم من خمر الجنة حتى يسكرهم .. ويوسع في أرزاقهم هناك ويريحهم في البرزخ.          
الابن ص    : " ساخرا " البرزخ ؟
الجد                : الممر إلي الحياة الأبدية التي لن تراها لا أنت ولا أبوك .. قد عاهدتهم أنني سوف أدافع عن القدر الأكبر من ..
الابن ص    :شرف العائلة
الجد         : " يستجمع قواه "
الابن ص    : وتاريخها المجيد .
الجد         : نعم لاشك في هذا .
( صمت ثم طرق رتيب علي الباب. يهرعون إليه جميعا ماعدا الجد والابن الأكبر )
الأب         : " يفتح الباب " لا أحد .
الابن ص    : الريح مرة أخري ؟
الأب         : الفراغ .
الأم          : الفراغ له يد كالمطرقة تصم الآذان .
الجد         : أنا لم أسمع أحدا يطرق الباب .
( ينسحب الابن الأكبر لغرفته وتمر لحظة صمت )
الابن ص    : لا تقلقوا .
الأب         : نحن لن نقلق .
الأم          : نعم لن نقلق .
جميعا        : نحن لسنا قلقين علي الإطلاق .
(تمر فترة صمت )
الأب         : " للأم " اذهبي إليه وصالحيه وطيبي خاطره ليعود
الأم          " وهي قرب الباب "  حاضر  " تدخل "
الابن ص    : ماذا ستفعل ؟
الأب         : ستصالحه ليعود .
الجد         : وأنت ؟
الأب         : " صارخا في وجهه " سأصالحه .سأصالحه. .
الجد         : ماذا حدث للضمير العالمي ؟
الابن ص    : إنهم يصالحونه .
الجد         : الضمير العالمي ؟
الابن ص    : أخي .. أخي " يدخل "
الجد         : إنهم يصالحونه .. ي ص ا ل ح و ن ه
اظـــــــــــــــــــــــــــــــــــلام






اللوحة الثالثة
( شقة الأبنه في الغربة. مكان فاخر علي نحو كبير ) الزوج يجلس مسترخيا بينما الابنة في حالة ضجر.
الابنة               : " بحدة " وبعد ؟
الزوج              : بعد ماذا ؟
الابنة        : إنهم هناك وقد وعدتهم بالزيارة منذ غادرنا المنزل .
الزوج              : فليذهبوا  إلي الجحيم .
الأبنه: كنت موافقا علي هذه الزيارة
الزوج              : تغير رأيي.
الابنة        : الآن وبعد عشرة أعوام ؟
الزوج              : الآن وبعد عشرين عاما .
الابنة        : حسنا .
                                                      (صمت )
الابنة        : " تقترب نحوه برقة " إنهم هناك وقد وعدتهم بالزيارة منذ غادرنا المنزل.
الزوج              : قلت هذا من قبل وقلت لك فليذهبوا للجحيم .
الابنة        : كنت موافقا علي هذه الزيارة .
الزوج              : قلت هذا أيضا وقلت لك تغير رأيي .
الابنة               : الآن وبعد عشرة أعوام ؟
الزوج              : الآن وبعد عشرين عاما.
الابنة               : حسنا .
الزوج              : قلت هذا أكثر من مائة مرة . وكل مرة نسلم أنفسنا للصمت.. أرجو ألا تعيدي حديثك وتذكري كل ما قلتيه.
الابنة        : وبعد ؟
الزوج              : " يصفعها " لقد مللت .
الابنة               : أنت تصفعني ؟
الزوج       : نعم أصفعك .
الابنة        : لماذا تصفعني ؟
الزوج              : حسنا لقد فهمت الآن وغيرت مجري الحديث .
الابنة        : إنني أريد أن اذهب إليهم .. إنهم ينتظرونني هناك.
الزوج       : وأنت يجب أن تنتظريهم هنا .. أنت زوجتي وأنا حر.
الابنة               : لست من عبيدك إذن .
الزوج              : تجاوزا .
الابنة               : ماذا ؟
الزوج       : هذا ما كتب في العقد .
الابنة               : إنني لا أفهم .
الزوج       : ليس مهما أن تفهمي .لقد اتفقت علي كل شيء معهم.. أعطيتهم و ..
الابنة               : واشتريتني ؟
الزوج              : لم نكتب هذا في الوثيقة .
الابنة        : ولم تعلنه علي  الملأ.
الزوج       : أعلنته صدقيني .
الابنة               : متي ؟
الزوج       : هل تلعبين دورا في الشطرنج ؟
الابنة               : كيف ؟
الزوج       : لقد كان مبلغا من المال بحيث لا يفهم منه غير هذا المعني .
                                               ( يحضر الزوج الشطرنج ويرص
                                                       القطع بهدوء. صمت )
الابنة       : أي معني ؟
الغبي.: لن أكرر.. إلعبي .
الابنة               : أريد أن افهم .
الزوج       : الفيل .
الابنة               : الفيل ؟ لا أفهم.
الزوج       : ليس مهما أن تفهمي .لقد اتفقت علي كل شيء.أعطيتهم و..
الابنة               : واشتريتني ؟
الزوج       : بالضبط .
الابنة               : أنت جبان .
الزوج       : لقد اتفقنا علي هذا أيضا .
                                               (صمت . الزوج يبتسم )
  الابنة      : لماذا تضحك ؟
الزوج       : ماذا ؟
الابنة               : كش ملك .
 الزوج      : أنا لا أضحك . أنا ابتسم.
الابنة               : لماذا تبتسم؟
الزوج       : علي ما يحدث كل يوم .
الابنة               : وماذا يحدث كل يوم ؟
                                                      ( صمت )
الابنة               : سأعد لك طعاما .
الزوج       : لن أوافق .
الابنة               : علاما ؟
الزوج       : " يلعب وحيدا " ستضعين حبوبا منومة ثم تنسحبين خارجا حينما        أنام . ولن أطلقك ولن أمنحك أية حقوق. ستصرخين في وجهي بأن      لك حقوقا عندي.سأقول لك لن أمنحك أية حقوق. ستحاولين الهروب ولن يحدث هذا بالطبع وإذا ما نام العالم اجمع وحدث هذا سيردك      أبوك لي. للآخرين. ولكي أتحرى الدقة ليس لي. للآخرين . لمن هم خلف أعمالي الكريهة وعندها سوف تبكين يا صغيرتي حتى ينطفئ الضوء في عينيك ولن أعيرك انتباها بينما هم يتساقطون فوق جسدك الواحد تلو الآخر.                           ( صمت )
الابنة        : قبلني .
الزوج       : لماذا ؟
الابنة       : إنني في حاجة لهذا الآن .
الزوج              : كيف ؟
الابنة       : كأول ليلة .
الزوج       : وهل فعلت هذا في الليلة الأولي ؟
الابنة       : فعلت أكثر .
الزوج       : أنا لا أذكر الآن .. لقد نسيت الليلة الأولي بكل تفاصيلها.
الابنة               : " منفجرة " كنت نائما كالثور .
                                                      ( صمت )
الابنة        : كنت نائما كالثور .
الزوج       : كنت اصطنع هذا . إنني لم أقربك منذ الليلة الأولي من كتابة العقد وحتى الآن ومع ذلك فأنت لست عذراء.
الابنة               : أنت جبان .
الزوج       : إن لدي كل الرجال كبرياء . لكنهم حين يفقدون كبرياءهم.. يلحون علي أنفسهم ويحاولون إقناعها ويفهمونها أنهم مازالوا يحتفظون بكبريائهم.. لا تذكريني بهذا الآن حتى لا ينطلق الشرر من عيني.
الابنة               : دعه ينطلق .
الزوج       : " لا يرد "
الابنة               : دعه ينطلق من عينيك .
الزوج       : ما هذا ؟
الابنة               : الشرر .
الزوج              : إنني أهددك فقط .
الابنة               : كنت في كامل وعيك في الليلة الأولي ولم تفعل شيئا .
الزوج       : أنني عاجز عن أي فعل يا صغيرتي .لكنك تخونيني كل يوم.
الابنة               : أنا لست خائنة .
الزوج       : ألانني اعرف ؟
الابنة               : ألا تريد مساعدتي ؟
الزوج       : لن يجدي الحديث في هذا الأمر شيئا لقد لقنت منذ كنت صغيرا ما يجب أن أفعل ومالا يجب ولم يجرؤ احد علي مساعدتي . لم يجرؤ احد علي إنقاذي من خضم الوحل وفري كلامك. لن يجدي الآن شيئا.
الابنة        :وبعد ؟
الزوج       : الأمر بسيط يا عزيزتي.
الابنة        : " في دهشة " عزيزتك ؟
الزوج       : آسف أرجو ألا تخبري أحدا بهذه الكلمة العفوية .
الابنة        : هل تحبني حقا ؟
الزوج       : ليس لهذه الكلمة سوي معني واحد .
الابنة        : ما هو ؟
الزوج       : لقد نسيته الآن .
                                                              ( صمت )
الزوج       : لم ينقذني احد فتقولبت . وضعوني في قالب صغير لم يسع قلبي الذي كنت احلم أن يسع العالم ولم أقاوم وقد باعوك اهلك لي ولم تقاومي. لقد اغتصبت ولم تفري أو تقاومي. لقد رضخنا جميعا لكل ما أحدثوه فينا ولم نفعل أي شيء. هذا كل شيء .
الابنة        : سأعد لك طعاما شهيا .
الزوج       : وبعد ؟
الابنة        : لاشيء " تدخل المطبخ ويبقي وحيدا "
                                               ( أصوات تأتي من ذاكرته )
ص رجل    : قلت لك ألف مرة بل مليون . عليك أن تطيع دون أن تناقش.
الزوج       : لقد كبرت الآن وبوسعي أن أقرر بنفسي .
ص رجل    : تقرر ؟ إنها الساعة. أقسم أنها علامات الساعة.
الزوج        : من يقرر إذن ؟
ص رجل    : أبوك . أنا.
الزوج        : وأنا ؟
ص رجل    : أنت مازلت طفلا مادمت أنا أعيش علي وجه الأرض .
الزوج       : لقد كبرت الآن .
ص رجل    : علي نفسك يا ولد " صوت صفعة "
                                         ( هذا الديالوج يبدأ من جانب الزوج
                                                بالحماسة ثم يصل إلي حد التضاؤل
                                               الطفولي إلي حد اللعثمة )
الابنة        : " تدخل وتقدم الطعام وهي تنظر له "
الزوج       : ألن تأكلي معي ؟
الابنة        : أكلت .
الزوج       : أين ؟
الابنة               : في المطبخ .
الزوج       : حسنا " وهو يمضغ الطعام " شهي كما قلت بالضبط ومملوء بالحبوب المنومة كما قلت أنا بالضبط .
                                               ( يستمر فى تناول الطعام بينما تأتي
                                                       أصوات من ذاكرته )
ص أم       : تعال .
ص طفل    :حاضر
ص أم        : رح .
ص طفل    : حاضر .
ص أم       : نم .
ص طفل     : حاضر .
ص أم         : نمت ؟
ص طفل      : حاضر
ص أم       : وكيف تسمع يا كذاب " صوت صفعة "
      ( صوت خطوات تقترب. الزوج ينكمش. يزيح الطعام جانبا وينام في مكانه ")
الابنة               : لذيذ ؟
الزوج              : لذيذ .
الابنة                : طعام جيد
الزوج       : نوم جيد " يتثاءب ثم ينام منكمشا "
                                         ( الابنة تذهب نحو الباب وتفتحه نسمع
                                               صوت سيارة وخطوات تقترب بينما هي
                                               تبدأ في خلع ملابسها استعدادا للخيانة
                                               المتكررة في قهر ودون مقاومة. موسيقي )
إظلام

اللوحة الرابعة
( الابن الأكبر مع جده في الصالون )
الابن ك      : أنت علي صواب يا جدي . علي صواب. هراء إنني احفظ كلمتك المأثورة عن ظهر قلب لكنني لا أملك حياله أي فعل. لأنني عاجز عن الفهم هنا. اليوم موشك علي الانتهاء ؟أم هي الحياة توشك علي الموت ؟ كل يوم كالآخر تماما كالآخر.. وأنا أزداد عجزا كل برهة.. الأفراد كالآخرين.. لكنك أنت الوحيد الذي ما تزال تحتفظ بتفردك وسط كل التكرارات المملة. ماذا أفعل يا جدي ؟
الجد         : قاوم .
الابن ك     : كيف ؟ 
الجد         : كالفرسان الأوائل .. كجدك سيف الله.
الابن ك     : المسنون .
 الجد        : جدك . لقد مات واقفا وشريفا. فعندما تصير كهلا ما عليك إلا أن تصمد في وجه الريح. لا تنحن .. فالريح تخشي الجبال. عدني بذلك عدني.
الابن ك     : أنا تعب يا جدي . تعب.
الجد         : إنني أحبك لأنك جميل . لا تنتظر أحدا.
الابن ك      : ماذ1 يجدي ؟
الجد          : لقد أصيب الجميع بالجنون . أبوك وأخوك و أمك المحايدة بلا معني. لقد أخذوا قطتي في وضح النهار.. لو كنت يومها هنا ما استطاع واحد من الأوغاد أن يفرط في شرف العائلة إلي هذا الحد المهين.
الابن ك     : لم أكن يومها هنا .. لقد ذهبت لأصلح الحذاء فقط فتغير وجه التاريخ قالوا حين عدت أنها تزوجت فتي بهيج تفوح من جسده رائحة الزيت البهيج. قلت متي تزوجت
ص الأب    : " من الخارج " في الرابعة تماما .
الابن ك     : تماما لقد حدث هذا . مصادفة عظيمة. هل تعرف يا جدي لو حدث هذا التداخل والمصادفة في مسرحية من المسرحيات التي كنت أتسلل إليه خلسة لوصفت كاتبها بالغباء والفرار. كانوا ا يخشون أن أدرك العالم.
      الجد       : العالم ؟ وهل يوجد عالم ؟ إنها كلمة قديمة قديمة جدا. كلمة مرتبطة بالتاريخ. لكن حين تخور قوي التاريخ ولا يقوي علي الوقوف يموت العالم.. العالم الإنساني. إنها كلمة قديمة لكنني مازلت اذكرها لأنا قطعة مني.
  الابن ك       : قالوا تزوجت منذ الرابعة وارتدت ملابس عرسها الهفهافة وغادرت المنزل ثم قال أبي ..
ص الأب          : كان عليك أن تودعها أيها الوغد بقبلة وان تبارك عرسها . ماذا يقول الناس عنا ؟ لا نملك رجالا في العائلة ؟
    الجد          : إننا نمثل .
الابن ك         : مسرحية .
الجد  : مثلت حتى الآن تسعين مشهدا عنيفا وبطوليا .. حتى وأنا فوق مقعدي هذا كنت بطلا. ولابد أن الستار ستسدل قريبا
قريبا . قريبا جدا دون أن أكون قد فعلت شيئا ذا بال. لكنني لم اعجز أبدا ابدا بتاتا أمام عصف الريح وزلزلة الزلازل وبركنة البراكين. إنني لا أفتخر فان هذا لم يكفني فخرا.
الابن ك  : وأنا ؟
الجد        : كم عمرك الآن ؟
الابن ك  : اعطني عمرا يا جدي .
الجد  : عمرك فعلك .ورأيي فيك انك ممثل نصف سيء أما الآخرون فهم ممثلون جيدون لأنهم شديدو الزيف. وان شئت أن أكون دقيقا وأتحرى الصدق فان أباك رجل سيئ وأخاك ولد سيء وأمك دورها ثانوي لا طعم له. ماذا حدث في العيون. ماذا حدث في عيون الممثلين ؟ إما مزيفين وإما ثانويين. لا يوجد ممثل بطل.
الابن ك  : ماذا ؟
الجد      : ممثل بطل . لا يوجد ممثل بطل يقود المسرحية علي نحو جيد إلي بعض من السعادة الحقيقية.
                                              ( الجد علي مقعده بينما الابن ك يريح رأسه
                                                    علي ساق الجد )
الجد      : " سعيد بهذه الحميمية ويملس علي شعره " هل أقص لك حكاية ؟
الابن ك  : بماذا تجدي الحكايات يا جدي ؟
الجد      : تجدي كثيرا .
الابن ك  : قص لي حكاية يا جدي .
                                             ( موسيقي ألف ليلة وليله لكورساكوف )
 الجد      : كان هناك قنفذا وحيدا وحيد . يريد أن ينزل بساحة الغناء وكلما رفع عقيرته. دخلت الأشواك في فكه العلوي..
الابن ك  : فكه العلوي ؟
الجد       : نعم فكه العلوي  .. لا تقاطعني يا ولد " يصمت ليتذكر "
الابن ك  : " يذكره " دخلت الأشواك في فكه العلوي .
الجد      : آه فيئن طويلا ثم يتعب ويمرض .. لكن العربيد أصر علي الغناء فاحتار فسأل أول من قابله. السلحفاة. جدتنا السلحفاة فسألها عن طريقة للغناء دون أن تدخل الأشواك في فكه فلم تدله لكنها خافت عليه. فسأل جميع الحيوانات في الغابة فلم تجبه كذلك..
الابن ك    : " كمن يسبهم " حيوانات .
الجد        : فقرر أن ينزع شوكه الكثيف من فوق ظهره لكنه لم يستطع ذلك بالطبع فتحامل وغني لكن غناءه لم يعجب القرود فوشوا به عند السيد الأسد .. وقالت القرود أن به مس من الشياطين جميعا.
الابن ك  : قرود .
الجد   : فحكم عليه السيد الأسد بعشرين عاما خلف القفص . وبعد خروجه من هناك غني. هدموا البيت الذي يقطنه فغني.. صار عجوزا ومسنا..
الابن ك  : مثلك يا جدي ؟
الجد        : ورغم أنه كان عجوزا ومسنا فما اشتري رأسه .. تحامل وغني بالشوك..
الابن ص          : " يفاجئهم " كيف حال القنفذ ؟
الجد               : يغني بالشوك .
الابن ص         : " ساخرا " مازال ؟ " للأخ " لقد صالحناك جميعا ومع ذلك لم تحضر حقيبة الملابس الجديدة ولا السيارة الحمراء ولا جالستنا لنعبث قليلا.
الجد      : " ساخرا " قليلا ؟
                                                          ( يخرج الابن ص ويسود بعض الصمت )
الجد       : كيف حال الغربة ؟
الابن ك  : صفراء .
الجد       : والناس هناك ؟
الابن ك : غرباء .
الجد       : ما لون عيون المها ؟
الابن ك   :مازالت كما نعرفها .
                                                            ( الجد يبتسم ثم يلفه الوهن )
الجد       : الصحراء شاسعة بلا ناس . بلا ناس إلا أنت, نعم أنت ناس لكن أباك ليس ناسا ولا أمك ناسا, ولا أخوك ناس. كلهم أوغاد حتى أنا وغد علي نحو ما وأنت أيضا وغد علي نحو ما إنني أحس بالموت يتسلل إلي أعضائي عضوا فعضوا.. الموت يجتاح ذراعي.. يجتاح ساقي.. بطني لكني أخشي موت القلب.. من يكمل رحلتك أيها القنفذ المسكين إذا ما نفذت مشيئة الله في أعضاءك كلها ؟من بعدك سوف يغني بالشوك ؟  انه عار علي المدركين ألا يفعلوا.. ألا يفعلوا شيئا. كن قنفذا وغن بالشوك
الابن ك  : من ؟
الجد   : أنت . لم يفت أوان الغناء.. هل تفعل ؟
                 ( يتهاوى الجد منكفئا من مقعده بينما           الابن ك يصدر صرخة رجراجة الجميع يقفزون عند الباب وعلي وجوههم ابتسامة ما )


إظـــــــلام

                                                                                          
اللوحة الخامسة
   ( قاعة الصالون التورتة مازالت مكانها الجد مكفن علي كرسيه المتحرك. موسيقي شرقية. القاعة مملوءة بالصور المعلقة علي الحوائط. الابن ك في حجرته مصاب باكتئاب. الأب يصعد علي احد المقاعد)
الأب      : أرجوكم اجلسوا .. اجلسوا.في البراويز حتى يتسني لي أن أحدثكم بلغة جيدة وسليمة. اجلسوا . أرجوكم أن تجلسوا " يسود الهدوء فيصاب بالتلعثم, يظل مترددا برهة " أيها السادة والسيدات أفراد العائلة الكريمة من أول الدهر إلي الآن لقد جمعتكم هنا جميعا, اقصد جمعت صوركم الفوتوغرافية لمن شاء له الله أن يولد في العصر الحديث.. عصر التقدم والتكنولوجية والديمقراطية الحقة. ومن لم يتسن له أن تلتقط له صورة فقد حاولت أن أتذكره بنفسي وأتذكر سيرته العطرةو العطنة معا " صخب وضجيج " اسمعوني. اسمعوني جميعا جيدا فقد عاهدت الله ونفسي ألا أنافق أحدا ميتا كان أو حيا. فذلك عهد ولي وفات ولم اعمل صحافيا في يوم من الأيام      ولم أنل هذا الشرف يوما ولا أحب أن أناله ولا أسعي جاهدا من أجل هذا. اسمعوني جيدا إذن فقد أوضحت لكم منهجي في الحياة دون الخوض فيما يسمي بتاريخ العائلة. اسمعوني جيدا إذن فقد أعددت نفسي طيلة قرن من الزمان لهذا الاحتفال وهذه الليلة البهيجة لكي تحتفلوا معي علي شرف العائلة ولكي نشرب في نخبها ما لذ وطاب من الشراب الذي لم يكن يصنع بهذه الجودة الملحوظة في زمانكم الغابر و .." صمت " وأعوامكم الغابرة وسنينكم الغابرة وشهوركم الغابرة, و .. وكل شيء غابر. هاهو ذا أبي ذلك القيد الحديدي الذي ذل أنفاسنا طيلة القرون الماضية بعد أن عاني سكرات الموت أكثر من عشرة ألاف مرة. لقد ذل هذا الرجل أنفاسنا بحجة واهية تسمي بالتاريخ " صخب واعتراضات " لقد ذل أنفاسي أنا وحدي إذا كنتم لا تشاركونني الرأي وتختلفون فيه معي إلي حد قد يصل إلي القطيعة بيني وبينكم. إني أيها السادة مرغم أن أعيش علي أطلالكم.
                                                                   ( موسيقي شرقية صاخبة الأم ترقص )
الأب       : " يضع في صدر امرأته بعض العملات الورقية الصغيرة وأبنه جواره" شرف العائلة .
الابن ص  : العائلة .
الأب ى     : شرف كل العائلة .
الابن ص  : العائلة .
الأب      : عائلة الدوغري .
الابن ص  : الدوغري .
الأب      : السيد أحمد عبد الجواد .
الابن ص  : الجواد .
الأب      : عيب يا ولد .
الابن ص  : يا ولد .
الأب        : فلنشرب في صحة شرف العائلة .
الابن ص : في صحة شرف العائلة .
الأب      : فليحيا الانتظار .
الابن ص  : الانتظار .
الأب      : انتظار مالا يجيء .
الابن ص  : يجيء .
الأب      : مالا يجيء .
الابن ص  : مالا يجيء .
الأب      : كل ملاحم الانتظار العظيمة .
الابن ص  : العظيمة .
الأب      : العظيمة جدا .
الابن ص  : العظيمة جدا .
الأب      : جدا .
الأب      : جدا .
                                              ( يكررون الكلمات الأخيرة إلي أن يتهالكوا
                                                      يعود الصمت وتجلس الأم بحزام الرقص )
الأب              : " مخمورا " يريدون لنا ألا ننتظر .. هل يعقل هذا يا ولد ؟
الأم               : لا يعقل طبعا .
الأب       : أنت ولد ؟
الأم        : أنت أدري .
الأب              : فسدت أخلاقك يا امرأة .
الأم               : خابت رأسك يا رجل .
الابن ص         : في صحة راس أبويا .
الأب       : تصوروا إنهم لا يريدون لنا أن ننتظر . الأوغاد لا يريدون أن ننتظر. إذا لم ننتظر. ماذا يتوقعون أن نفعل ؟ هه ؟ ماذا يتوقعون أن نعمل ؟
الابن ص : الصمت .
الأب       : نعمل الصمت ؟ لن نصمت فلسنا كسالي كي لانفعل شيئا. الوقت بفلوس.
الأم       : وماذا نفعل الآن ؟
الأب       : ننتظر .
الأم        : الذي لن يأتي ؟
الأب       : لا يهم علينا فقط أن ننتظر . الانتظار فعل سام نتحدى به الأمم جميعا.
الأم        : الذي سيأتي .
                                                     ( الابن ص يضحك حتى يستلقي
                                                              علي الأرض )
الأم         : مالك يا ولد ؟ تضحك علي أمك يا كلب ؟
الابن ص    : إذا أتي ماذا ننتظر بعد الآن .. نجلس كالولايا ؟
الأب        : في صحة الولايا .
                                                     ( صمت طويل )
الأب       : تصوروا إن المؤلف يريد أن يرسمنا كما يشاء هو ..أقسم أنه يضرب رأسه         الآن في حائط. ماذا يعني أن يرسم أشخاصا فوق الورق ولا يعطيها حق تقرير مصيرها. إن عائلتي ليست دولة من الدول حتى يستطيع أ ي شخص                  أن يتحكم في مصيرها ويمحوها من قلب الخريطة.. ماذا يعني أن يرسمنا ؟      أين ذهبنا نحن ؟ نحن فقط القادرون. علي تحديد مصيرنا لا ذلك المؤ لف العربيد.الفاشل العربيد .. لقد تصوروا أن من حقهم أن يخططوا حياتنا علي نحو لا يخلوا من السخف والحماقة.
الأم        : حرام عليكم .
الأب : حرمت عيشته . الفاشل زميل ابنك الفاشل في المدرسة. يريد أن نمشي علي مزاجه ويقول انه يكره كذا وكذا. وهل نحن علي مزاجه حتى يملي علينا ما يحب وما يكره ؟ فلنشرب في نخب المؤلف الفاشل.
الجميع : في صحة الفشل .
الابن ص : وهل نترك المخرج .. لقد حركنا بما فيه الكفاية وينبغي أن نكف رغما عنه. لقد تعبنا من اللف والدوران تحت زعم سخيف هو الرؤية والانضباط.
الأب       : والله ولا المخرج ولا الجن الأزرق ولا العالم يستطيع أن يمشينا بمزاجه . انه         " إذا أراد المخرج الموقر الفضيحة فما عليه إلا أن يخبر هؤلاء المخمورين بأسراره الخاصة " قدمي لنا فاصلا راقصا آخر يا امرأة..فاصلا راقصا آخر.
 ( الأم ترقص والجميع علي درجـــــــة من السكر البين. دقائق وتأتي صرخة من الداخل. من حجرة الابن الأكبر وفي نفس التوقيت تعلو طرقـــــات البــــــاب
         الخارجي. الأم تقع وسط المســــــرح متهالكة تماما )
الأب        : الباب . سأفتح أنا الباب وأنت اذهب إليه.
الابن ص   : سأفتح أنا الباب .
الأب        : أمك ماتت سأفتح أنا الباب .
الابن ص   : أنا أبوك . اسمع كلامي واذهب  إليه حالا.
الأب        : وأنا ابنك ومصر علي كلامي . مصر أن أفتح الباب.
الابن ص   : " يصرخ فيه " ولد .
الأب        : نعم ؟
الابن ص   : سأفتح أنا الباب .
الأب        : أرجوك لا تفتحه أنت . دعني أفتحه أنا. أنا الأكثر انتظارا هنا ومن حقي أن أكون أول الفاتحين.
 ( يذهب الأب ليفتح الباب بينما الابن ص عند باب حجرة الابن ك )
الابن ص   :انظروا ماذا يفعل .
الأب        : وجدت خطابا مكتوبا عليه اسم أختك .
الابن ص   : انه بلا ذراع .
الأم         : افتح الخطاب بسرعة .. أين ذهب ذراعه ؟
الأب        : " يفتح الخطاب " مرسوم بالداخل كرة .. داخل الخطاب كرة كبيرة        " يقف فوق المقعد " ماذا تقصد بالكرة.
الابن ص   : يأكل ذراعه الآخر كله .تقصد الكرة الأرضية.
الأب        : يع .
الأم         : إيه ؟
الأب        : توجد بصقة في الخطاب . بصقة فظيعة.
الابن ص   : أكل الذراع الثاني كله .. انه بلا أطراف الآن..انه يتألم من شدة الألم.. لقد وقف في حلقه واحد من أصابعه الخمسة.. احضروا له الماء.. انظروا هذا التعبير الرائع.. احضروا له الماء بحق السماء. ما رأيكم ؟
الأب        : دعه يتألم واخبرني .
الابن ص   : ماذا ؟
الأب               : ماذا تقصد بالبصقة ؟
الأم         : تبصق علي الكرة الأرضية .           
الابن ص    : يأكل أطرافه السفلي أيضا . أطرافه السفلية كلها
الأب               : تصورت أنها تبصق علي الكرة .. كرة القدم. كنت سأقاطعها تماما        وليكن ما يكون.
الابن ص    : لقد التهم بطنه تماما والأمعاء الغليظة والأمعاء الرفيعة والقولون والأعور .
الأب        : احضري نظارة القراءة حتى أفهم ما كتبت جيدا .
الأم          : حاضر " تظل واقفة "
الابن ص    : يلتهم قفصه الصدري الآن في شهية فائقة .. انه يحب الأقفاص الصدرية
الأب        : احضريها يا امرأة .
الأم          : حاضر " تظل واقفة " .
الأب        : ماذا يفعل الآن ؟
الابن ص     : يبدو أن أحد ضلوعه وقف في  حلقه انه يجاهد كجندي يحارب في الصحراء القاحلة الحارة . يجاهد كطائر جارح ينقض علي الفريسة الضخمة العملاقة يجب ألا يفوتكم هذا المشهد الدموي.تعالي انظري.. انظري جيدا ماذا يفعل.
الأم          : " تقترب من الباب وتنظر من الفتحة المتاحة "لماذا      يفعل هذا في نفسه
الأب               : إنها لم تكتب حرفا واحدا في الخطاب .. لقد اكتفت الملعونة برسم الكرة الأرضية والبصقة الفظيعة.. كان يجب عليك كأم مثالية فائزة بالجائزة الأولي في تنظيم الأسرة أن تعلمي ابنتك الأدب كي لا تبصق كل هذه البصقة في خطاب واحد.
الابن ص    : انه يأكلها .
الأب        : البصقة ؟
الابن ص    : يأكل نفسه إلا أن قلبه غض جدا أو أنه متحجر جدا .. هل سيأكل قلبه أيضا أم سيتركه لنا كتذكار في الأيام المقبلة بلا معني ؟ استحلفوه جميعكم أن يتركه تذكارا لنا حتى يتسنى أن نفاخر بقلبه الكبير وكي نستطيع أن نلفت أنظار العالم نحو عبقرية العائلة الفذة.
الأب        : دعه يأكله أيضا فلسنا بحاجة لأي قلب أبدا
الأم          : " تكون قد أحضرت النظارة" تفضل .
الأب        : ما هذا ؟
الأم          : النظارة .
الابن ص    : إن رأسه مازالت قابعة هناك بلاشيء يسندها أو يشد من أزرها . إنها لا ترتكز علي أي كتف ما.. إنها وحيدة تماما وسامقة كالنجم.. ومازلت أري الدموع علي وجنتيه الورديتين " يصرخ " أي عبقرية دفعتك للخلاص بهذه الطريقة العبقرية.. إنني دائما وأبدا أحقد عليك أيها الولد العبقري. أي وحي نزل عليك الآن كي تعيد سيرة الطائر الأسطوري طائر الفينيق .. أي عبقرية أيها الولد الأسطوري؟
الأب       : " يطوح الخطاب بعيدا "  كان يجب عليك كأم . مثالية فائزة في مسابقة تحديد النسل أن تعلميها الأدب.
الأم        : " مستغربة " الأدب ؟
الابن ص  : الدموع أغرقت الحجرة .. لقد بلل السجادة الجديدة.. السجادة الحمراء الجديدة . وأغرق السرير بالدموع انه يمطر كالسماء ويبتدي الحياة الأبدية بينما نحن قد ابتدأنا الموت الأبدي منذ أكثر من ألف سنة أو يزيد.
الأب       : كان يجب أن تتعلم كيف ترسل خطابا لأبيها وأمها وأخيها الحبيب فتقول في أول الخطاب أبي الحبيب وأمي..
الأم        : الحبيبة .
الأب       : " ينظر لها شذرا " وأخي الحبيب .. ثم تقول ما تريد بعد ذلك.. فلا يجب أن تنسي أخاها الحبيب إلي هذا الحد الفظيع.
الأم        : وهل تذكرت أمها ؟
الأب       : إنها لم تكتب حرفا واحدا في الرسالة . لم يعد أحد يعنيها مادامت تتمرغ في عزها هناك.. انظري إلي الخطاب وراجعيه بنفسك.
الابن ص  : انظروا لقد بلع رأسه أخيرا . وأخيرا لم يعد لي أخ هنا أو هناك أو في أي مكان آخر. لا شيء يبدو علي مرمي البصر.. ياه لقد تقيء نفسه فوق الفراش النظيف وفر طائر عملاق من النافذة. انه ولد عبقري وأنا حاقد عليه.
الأب       : " يذهب ليري " يع .
الأم        : تماما أكل نفسه تماما .. يا الهي لم يعد لي ابن كبير..صار قيئا فقط .. إني أري ذلك جيدا.. يا الهي كيف ينادونني الجيران الآن حين نسافر إلي هناك وبأي الأسماء لقد كانوا ينادونني باسمه باعتباره الولد العاقل الوحيد بماذا ينادونني الآن يا الهي ؟
الابن ص : بأم الفتي غير العاقل الوحيد .. عليهم فقط أن يزيدوا       كلمة واحدة.. الفتي غير العاقل.. اسمعي إنها الآن أوقع وأكثر مأسوية من ذي قبل.
الأب       : احضري منشفة فإنني لا أستطيع رؤيته علي  هذا النحو البشع .
الأم        : " تذهب نحو المطبخ وتحضر منشفة "
الأب       : ماذا أحضرت؟
الأم        : خيشة .
الأب       : لا منشفة نظيفة .. لا يجب أن نحتقره إلي هذا الحد.
الأم        : " تذهب وتحضر منشفة أخري "
الأب       : إنها نظيفة جدا .. لا يجب أن نحترمه إلي هذا الحد. أحضري منشفة متوسطة.
الأم        : حاضر " تذهب لتحضر أخري "
الابن ص  : يجب أن تصرخي علي ابنك ..فقد أكل نفسه تماما ولم يبق منه قطعة صغيرة.. ما موقفنا أمام الرأي العام حين يعرف أننا لم نبك علي واحد أكل نفسه..وحين يعرف الرأي العام أن الموت لدينا يشبه الحياة؟
                                                      ( الأم تصرخ )
الأب       : ولولي جيدا يا امرأة فانه ابنك الكبير .
الأم        : حاضر " تولول "
الأب       : نشفي القيء من الأرض  واحفظيه جيدا كما فعل القدامى من أجدادنا فسوف يعيد سيرته الأولي في ذاكرة العالم ويقوم كطائر الفينيق بعد احتراقه ليعيش خمسة قرون أخري بريشه الجديد ومنقاره الجديد وقلبه الجديد القادر علي صنع الفردوس .
                                              ( الأم تجفف الأرض وتخرج )
الأب       : ضعيه الآن إلي جانب جده الذي يحبه كثيرا ودعينا نصمت لحظة حتى أفكر في كيفية رثاءه أمام الآخرين إذا ما زارنا احد منهم أو تذكرنا                " صمت " يا ابني الحبيب الكبير . ياأ بني الكبير الحبيب " يقترب منه " رغم ما فعلته وما سببته لنا من آلام طيلة حياتك فإنني لا أملك إلا أن أرثيك علي نحو طيب خصوصا أنك كنت الولد الكبير في العائلة الكبيرة " صمت " إنني في الحقيقة لا أعرف كيف يكون الرثاء.فلم يسبق لي أن حزنت علي أحد أو حزنت علي شيء قدر حزني عليك.. فقد تركت فراغا في البيت لن يملأه بعدك أحد. تركت فراغا في البيت وأمك قد تخطت سن اليأس بسنين عديدة. بألف من السنين العديدة تقريبا.
الأم        : تقريبا .
الابن ص :تقريبا .
الأب       : لقد غفرت لك كل ذنوبك في حقي .. غفرت لك عنادك و شقاوتك وتركنا في غير انتظار.. إنني أغفر لك الآن من كل قلبي.. نعم أغفر لك من كل قلبي ولم أعد حانقا عليك. إنني حانق علي جدك فهو الذي زرع بذرة العناد في دمك الأرجواني حتى نما فيك ولم أستطع أنا أبوك كبح جماحه. إنني أرثيك يا بني " يشير للأم والابن ص وللصور أيضا " ودعوا معي الراحل العنيد واغفروا له ما تقدم من ذنبه وانزعوا من قلوبكم كل ذرة حقد عليه.. ودعوا معي يا رفاق " يخطب " يا ابني الراحل العزيز. يا خير ابن من خير أب.
الأم        : من خير أم .
الأب       : من خير أب .
الأم        : أم .
الابن ص : من خير أخ .
الأب       : فلتصدح الموسيقي الصاخبة في وداع ابننا البار ..فان الموسيقي الجنائزية لا تليق بنا ولا تليق به. اصدحي أيتها الموسيقي المناسبة.
                                                     ( موسيقي شرقية راقصة )
الأب       : واصلي الرقص والاهتزاز  يا فاتنة حتى الصباح .وحتى ننسي حزننا الكبير.
الأم        : وهمنا الكبير .
الابن ص  : " يصب لهم الكؤوس " وغمنا الكبير .
الأب       : في صحة حزننا الكبير .
الأم        : في صحة همنا الكبير .
الابن ص  : في صحة غمنا الكبير.
 ( يتقارعون الكؤوس وترقص الأم والجميع وهم مخمورين حتى يتهالكوا ويرتموا علي الأرض حتى تظهر صورة شبحية للابنة في الغربة )
الابنة      : هل سأرجع للطفولة والبراءة البيضاء ؟
الأب       : ستأتي بأموال كثيرة تعوضنا عما فات .. عن كل شيء ضاع منا.. ستأتي بأموال لها لون الأشجار.
الابنة      : هل سأجد الحديقة الخضراء خضراء ؟. كما كانت دائما يانعة بصفصافها وعطر النعناع ؟
الأم        : ستفاجئنا ذات يوم بالحقائب الملأ بأغلى فساتين السهرة العارية               من فوق الأكتاف .. وأجمل المتاع ؟
الابنة      : هل سيعود كل شيء كما كنت أحلم به ؟
الابن ص  : قلت لها لابد أن تكون شقراء وفاتنة ولها قلب متسع لكل شيء تذكري جيدا يا أختاه . تذكري أنني لن أقبلها بغير هيئتها التي رسمتها في مخيلتي. سوف تأتي بحلمي عما قريب.
الابنة      : كيف حال جدي الحبيب ؟ حين أرتمي في أحضانه سيداعبني ويعضني من وجنتي.. كيف حال أخي وفارسي المغوار ؟
الأب       : ساعدينا يا ابنتي .
الابنة      : مدوا أيديكم لنجدتي .
الابن ص  : سأنتظرك ولو ألف عام كان انتظاري .
الابنة      : سيأتي أخي الكبير فارس العائلة المغوار فوق مهره الأبيض .
الأب       : سأنتظرك مهما كان ثمن انتظاري .
                  ( ينفخ الأب في الشموع ليبقي المسرح تحت إضاءة شبحية ويزداد الصراخ من الجميع ويتساقط السقف عليهم بالتدريج وينتشر الغبار )
الابنة      : خذوني من مستنقعي أرجوكم .
الأم        : خذينا من مستنقعنا . أنا أرجوك واستحلفك بكل غال وثمين.
الابنة      : لقد مدت الشيخوخة أظافرها في لحمي .
الأب       : يبدوا إنني سأموت قبل أن أري منك أي شيء.. لكنني أعدك أنني سوف أنتظرك ما حييت ولن أمل الانتظار الطويل.. انه متعتي الوحيدة هنا وما جدوى الإنسان إذاما عاش دون أمل في الحياة ؟
الابنة      : ماذا يؤخركم عني أيها الأشاوس الكبار ؟
الابن ص  :ستأتي لي بما لم يأت به الأوائل .
            ( إضاءة ساطعة لنري الجميع تحت الأنقاض وسط الغبار. موسيقي مع خطوات تقترب لتتباعد مدة من الوقت )

إظـــــــــــــــــــــــــــــــلام










ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

من برنامج المسرح فى الصعيد ---قناة طيبة

من برنامج المسرح فى الصعيد تجربة مسرح المقهورين باسوان اخراج سحر جروبى . برنامج المسرح فى الصعيد رابط المشاهدة   ...