مسرحية القفص
سعيد حجاج
استهلال
لابد منه حتما
قال لى صاحبى ذات يوم : هل
تعرف أنه فى أعقاب الحرب العالمية الثانية كانت المنازل والنوافذ مغطاة بالسواتر
القماشية الملونة ؟قلت فليكن . لكننى كتبت ماكتبت حين رأيت الجنود ذات مرة يغطون
المنازل جميعها فى الحى العشوائى خشية أن تتأذى أعين السادة المسئولين الكبار فى
حكومتنا الرشيدة وهم يعبرون المكان ليقصوا شريط احد إنجازاتهم العملاقة.. وتساءلت
ماذا فعل الذين يقبعون داخل هذه البيوت .؟
( الديكور واقعى جدا .. لا يعدو أن يكون سوى حجرة فقيرة عشوائية
, بها اجتمعت كل الأماكن ,باب مغلق جهة اليسار تشير عليه علامة أنه الحمام .أمام
الباب مباشرة توجد منضدة خلفها مقعد خشبى . فى صدر المسرح توجد نافذة عاليه جدا .
باب جهة اليمين أمامه مقعد هزاز . فى وسط
المسرح توجد ملاءة مغطى بها الإبن .)
ـ عند الإضاءة التدريجية .. نجد الأب
جالسا يتناول الطعام وبقايا معلبات على المائدة وعلى الأرض أيضا .الأب يضع فوطة
بيضاء على صدره .. صوت سيفون وخرير مياه يغلف المشهد حتى خروج الأم من الحمام .
الإبن :
وانتهت الحرب .. قلنا سوف ننهض وسوف تتغير حياتنا عاى نحو ما .. لكن كل شىء أيضا
انتهى , حتى الأمل فى ميتة أفضل من هذه التى نعيشها .. افتحوا النافذة حتى تدخل
الشمس .. لقد نسيت شكلها تمتما .. هل هى مربعة تقريبا ؟
الأم :
" تخرج من الحمام وتجفف يدها بالفوطة المعلقة على رقبة الأب ثم تتمخط فيها وتعلقها
ثانية " انها مستطيلة .
الإبن :
لايهم .. سوف أذكرها حينما أراها .. ان الحجرة بغيضة والشمس مستطيله .. ونحن نضيع
هنا .." يقترب من الأم أرجوك ان تفتحى النافذة لأتحقق منها بعض الشىء .
الأب :
انها مستديرة .
الإبن : " منفجرا " مازلت عند موقفى منك بألا تشاركنا الحديث ..
ان أفكارك تصيبنى بالغثيان .. لقد قالت زوجتك التى هى بالتبعية أمى : انها مستطيله
.هل تكذبها ايضا فى هذا الأمر ؟
الأب :
حسنا أعتذر .
الإبن :
هل تعتقدين اننى سعيد هنا ؟
الأم :
نعم .
الإبن :
كم عاما قضيناها هنا ؟ انتهت الحرب وكل شىء ايضا انتهى .
الأم :
نعم .
الإبن :
فلماذا تعتقدين اننى سعيد لأننى وصلت الى هذا الحد من الضيق ؟
الأم :
لأن والدك يعتقد هذا .
الإبن :
وانت ؟
الأم :
مثل والدك تماما .. قد تعلمنا أن نعتقد معا أولا نعتقد معا .
الإبن :
أهو قال ذلك ؟
الأم :
أعرف من نظرة عينيه كل شىء .. فنحن لم نفترق ابدا .. ولم يحدث أن تشاجرنا ذات ليله
.. اننا متفقان على كل شىء تقريبا .
الإبن :
حسن جدا .. متفقان على كل شىء تقريبا حتى على .. هه ؟" يتجه نحو الباب المغلق
"
الأم :
الى أين أنت ذاهب .. ان المنزل مغطى السواتر القماشية الملونة . وغير مصرح لنا
بالخروج .. أنسيت هذا أيضا ؟
الإبن :
سوف أستحم .
الأم :
ولماذا يجب أن تستحم ؟ هل سيراك أحد . أنت قابع هنا .. وهى اشياء متساوية بالنسبة
لنا .لكن قل لى ...
الإبن :
ماذا ؟
الأم :
من قبيل الثرثرة فحسب .. وبعد ذلك ؟
الإبن :
سأرتدى ملابسى .
الأم :
فيما تفكر ؟
الإبن :
لاشىء على الإطلاق .
الأم :
من قبيل الثرثرة فحسب أيصا .. أذكرك انه غير مصرح لنا بالخروج فهل ستخرج .
الإبن :
كلا .. لم يعد لى أصدقاء .. لقد نسيت ملامح وجوههم جميعا ونسو ملامح وجهى .. انهم
...لم يبق غيرى هاهنا ولم أعد أذكر احدا ولا أحد صار يذكرنى .. نحن غرباء ومنسيون
.
الأم :
اتريد أن تجلس فى البيت بملابسك النظيفة ؟ ان النظافة بالنسبة لنا مساوية بالعفن .
لاتفعل .. ان فى ذلك مشقة لك .
الإبن :امى
.. اننى سأنتحر .
الأم :
وهل حدثت والدك فى هذا الأمر ؟ هل استشرته مثلا ؟
الإبن :
لم أخبه بعد .
الأم :
افرض انه لا يملك نقودا .. فماذا يفعل من أجلك ؟
الإبن :
يستطيع أن يقترض .
الأم :
لا أحد سوف يقرضه جنيها واحدا .. انت باله ؟
الإبن :
اهم جميعا كانوا يحبوننى عندما كنت صغيرا . ولن يبخلوا على جنازتى بشىء .
الأم :
ليس بوسعهم أن يفعلوا أى شىء . ربما لأنهم لايملكون شيئا مثلنا .. انها مشكله
عويصة .
الإبن :
وماذا على أن أفعل الآن ؟
الأم :
حاول مرة أخرى البحث عن عمل .
ال‘بن :
أى عمل ؟
الأم :
بوسعك غسل الأطباق والملابس .. ان ذلك سيدر عليك ربحا كبيرا . ولن يبخل عليك أبوك
بشىء .ساعتها فقط بوسعك فعل ماتريد .
الإبن :انت
تعرفين أننى لم أفكر فى هذا الأمر .. اننا منسيون ويداى ايضا نسيتا هذا تماما .
الأم :
توجد أعمال فى المنزل كثيرة وسهله . وبما أنك عزمت على تحقيق هدف ما . فلابد أن
تزيل من رأسك فكرة يديك هذه وتعمل أى شىء .
الأبن :
سأعمل قائدا .. مارأيك ؟
الأم :
سيفرح والدك كثيرا بهذا .
الإبن :
هل تثقين ؟
الأم :
ألاتثق انه سوف يفرح عندما تعمل قائدا عظيما لنا .. تسدى لنا النصح والمشورة ؟
وتقف على أسباب سعادتنا وتعاستنا معا ؟وأيضا يمكنك غسل الملابس الداخلية فقط .ز
انها سهلة جدا .
الإبن :
نعم سوف يفرح . وهذا ما لا احبه ؟ لكننى على مضض سأفعله : يدخل الحمام "
الأم :
ابنك سوف يعمل أخيرا.. كم ستمنحه فى اليوم مقابل غسل الملابس ؟
الأب :
ماذا تقولين ياامرأة ؟
الأم :
هل تعتقد أنه قادر على العمل ؟
الأب :
هل تعتقدين انت هذا ؟
الأم :
انه مدلل على أية حال .. ولن يفى بوعده . ولن يعمل .
الأب :
دعيه يجرب حظه .. انه ابنى على كل حال وانا أريد له كل خير .
الأم :
فلندعو له فقط .
الأب :
حسنا ادعى له انت . " يعاود التهام الطعام "
(
بعد فترة صمت يدخل الإبن )
الإبن :
ولكن ماذا سيقول عنى الجيران والأقارب حين يعرفون بطريقة أو بأخرى اننى أغسل
ملابسكم الداخلية القذرة ؟
الأم :
وماذا يصيرك ؟
الإبن :
أعتقد أننى سأكون قلقا هناك .
الأم :
فى الحمام ؟
الإبن :
فى القبر .
الأم :
انت مدلل .. اذن عليك أن تصالح والدك وسيحاول ان يفعل شيئا من أجلك ..كلمنى عنك
الآن .
الإبن :
وماذا قال لك ؟
الأم :
انه يدعو لك من كل قلبه .
الإبن :
حسنا .. سأنفذ ماأريد الآنت .. ألديك كيروسين ؟
الأم :
ألن تعمل ؟
الإبن :
كلا لن أعمل فى أى شىء .
الأم :
" للأب " هل وثقت برأيى؟ لم يف بوعده .
الأب :
هو دائما عاجز .
الإبن :
قلت لاتسبنى والا ...
الأب :حسنا
.. حسنا .. لاتغضب " يعاود التهام الطعام "
الإبن :
لقد سألتكم من قبل .. هل لديكم كيروسين ؟
الأم :
هل تتصور عندهذا سيكون انتهى كل شىء ؟ ومن يتحمل المسئوليه ؟
الإبن :
انا طبعا .
الأم :
كيف وعندئذ ستكون ميتا ؟
الإبن :
لكننى لن يروقنى هذا الأمر .
الأم :
إبحث عن عمل آخر .
(
ينظر لها طويلا ثم يدخل الحمام )
الأب :
" متسائلا فى صوت منخفض " هل سيفعلها الآن ؟
الأم :
ربما .
الأب :
هل تعتقدين انه على صواب ؟
الأم :
لن يقدر على اية حال .
الأب :
على العمل ؟
الأم :
على الموت .
الأب :
وبما تبررين هذا ؟
الأم :
انه جبان .
الأب :
نعم .. هى خصالك وقد ورثها .
الأم :
ورثها منك انت .
الأب :أنا
؟
الأم :
ومن غيرك ؟
الأب :
انت .
الأم :
انا ؟
الأب : اسكتى انه قادم .
(
يدخل الإبن )
الإبن : قد ذهبت .
الأم :
وماذاا فعلت ؟
الإبن :
لم أجد الكيروسين .
الأب :
انه هناك جوار الغساله تماما .
الإبن :
" منفجرا فى وجه الأب " وجدت كل الأطباق متسخة والملابس رثه جدا .اننى
مشمئز .. اسمع ياأبى .. أليس بوسعك اقراضى بعض النقود لأكمل هذه العمليه ؟
الأب :
ومتى ترد النقود ؟
الإبن :سنتقابل
حتما بعد الموت .. وسوف أمنحك ماتريد .. ولو كل حسناتى .
الأب :
" ضاحكا فى سخرية " حسناتك ؟ وهل عندما تنتحر سيكون لديك حسنة واحدة فقط
تنقذ بها روحك من الجحيم .انا لا أملك نقودا لك أيها الكافر العاجز ..أنا لست
جالسا فوق منجم من الذهب المشع كالشمس .
الإبن :"
سارحا " الشمس ؟
الأم :
عليك بالعمل .ولاشىء غير هذا سيدفعه لدفع قرش واحد لك .
الإبن :
" فى انكسار واضح وشبه بكاء "انه لايطاق .. لقد خلعت ملابسى واستعرت
قميصك الوردى والجونلة الحمراء وتركت شعرى ..انه عمل لايليق الا بالنساء .
الأب :
نعم ولابد أن يكون تغييرا جذرى جدا .
الإبن :
أدركت ذلك فأحضرت سكينا لأقطع ...
الأم :
لابد أن يكون تغييرا نفسيا أيضا .
الإبن :
وعندئذ هل سأنفع ؟
الأم :
سوف تكون مطيعا كأبيك .. ولن تحاول فعل شىء ضد السلطة المختصة
الإبن :
خابت حيلتى فى كل شىء .
الأب :
انك لا تصلح فى شىء على الإطلاق .
الإبن :
قلت لك لاتتكلم انت .
الأب :
لكنك بهذه الطريقة لن تعمل ابدا ولن تكون مفيدا .. انا أمد لك يد المساعدة
الإبن : قلت لك لاتتكلم .
الأم :
لاتتكلم انت .. أنا سأحدثه .
الأب :
اخبريه أننى أريد مساعدتك فحسب .
الأم :
انه يريد مساعدتك فحسب .
الإبن :
انه لا يعرف كيف يساعد نفسع .. اخبريه أنه ليس رجلا على الإطلاق .
الأم :
لست رجلا على الإطلاق .
الأب :
أنا ؟
الأم :
هو يقول هذا .
الأب :
اخبريه اننى لست بحاجة لذلك الآن .
الأم :
ليس بحاجة الآن لأنه ...
الأب :
لاتضيفى شيئا من عندك .. كونى محايدة فقط .
الأم :
حاضر .
الأب "
جانبا للأم " وانت مارأيك ؟
الأم :
كامل الرجولة فى اعتقادى .
الإبن :
هل تعتقدين هذا حقا أم كى تشعرى بالفخر ؟
الأم :
مادام هو يعتقد هذا .
الأب :
أين أخوه ؟ أمازال نائما ؟
الأم :
انتحر البارحة وترك خطابا .
الأب :
وهل قرأتيه ؟
الأم :
يقول أنه سيكون سعيدا أكثر هناك ز
الأب :
حسنا . وأين دفنتيه ؟
الأم :
فى مقبرة من الأرز والطماطم .
الأب :
لذيذ .
الأم :
الست سعيدا ؟
الأب :
" يشير للطعام فى يده " طالما هو سعيد فأنا كذلك .
(
وقع أقدام فى الخارج )
الإبن :
هل سيفتحون لنا الآن ؟
الأم :
لا أدرى .
الإبن :
ربما تذكرونا الآن ..هل ستبتاعين اليوم من السوق ؟
الأم :
" كمن تحاول التذكر " السوق ؟
الإبن :
نعم .. الذى هو على شكل معين أو شبه منحرف وبه كل شىء .. الفاكهة والخضروات والناس
والحقائب والشمس ؟
الأم :
كل شىء اندثر .. اسمع يابنى .. غير مصرح لنا بالخروج قبل مرورهم من هنا .. الا حين
يتم افتتاج البناء العظيم .
الإبن :
" فى ثورة وهو يحاول كسر الباب
" سأصرح أنا بهذا .
الأم :
لاتكن مجنونا واهدأ .
الإبن :
خطاب وضع تحت الباب .. ربما جاؤا ؟
الأب :
" مسرعا نحو يخطف الخطاب " لاتفضه .. انه لى .. وأنا لا أسمح بفض أشيائى
الخاصة .لاتحاول ذلك .
الأم :
" تقترب من الأب " هل سوف تطلعنا عما فيه ؟
الإبن :
" متهكما " يبدو أنه خطاب غرامى .
الأب :
" مازحا " فعلا .
الأم :
ممن ؟
الأب :
" يفض الرساله ويقرأ " انهم يسألون عن حالنا ويتمنون لنا دوام السعادة
والصحة والعافية .
الأبن :
هم لايفعلون أكثر من هذا .
الأب :
يقولن فات الكثير ولم يبق الا القليل .. فصبرا آل ياسر .
الأم :
وانت مارأيك ؟
الأب :
هم أولياء امورنا ومن حقهم أن يفعلوا بنا ماشاءو .. نحن رعيتهم وهم أحق منا بتقرير
مصيرنا جميعا
الإبن :
" ساخرا " على الرحب والسعة .
الأب :
" متوددا للإبن " أمازلت تخاصمنى ؟ أمازلت تخاصم أمك أيصا ولن تساعدنا
على أمر الحياه ؟ الإبن : دبرا الأمر
وحدكما .
الأب :
انت ابن حرام .
(
الإبن يتدث فى الملاءة ثم يخفت الضوء تدريجيا
.
بعد لحظة يسطع تدريجيا فلانجد الأم والأب فقط
نسمع
ثمة تأوهات صادرة منهما . ينتفض الإبن )
الإبن :
" ثائرا " هل هذا وقته ؟ تمارسان حياتكما فى هذه القوقعة بال أدنى تفكير
فيما آلت اليه أوضاعنا الانسانية القذرة .. انها بوهيمية جديرة بتحطيم رأسيكما معا
. ماذا تفعلان ؟ ماذا تفعلان فى هذا الوقت العصيب ؟ تبا لكما . ماذا لو حطمنا
البتا والنافذة ومزقنا السواتر التى تعزلنا عن العالم وتعزل العالم عنا وخرجنا
للشمس ؟
الأب :
" يتحدث من الداخل " سوف يصطروننا لدفع الثمن أو سجننا جميعا .. انه من
أملاكهم ونحن لانملك شيئا هنا سوى الرضوخ .
الأم :
" تتحدث من الداخل " وسوف يقف اثنان من الحرس أمام الباب المخلوع
والساتر الممزق .. ولن نمارس حياتنا العادية .
الإبن :
متهكما " العادية ؟ اننى أريد أن أحدثه جميعا .. لكنهم ماطثون فى أبراجهم
العاجية .
الأم :
كف عن هذه المصطلحات القذرة .
الأب :
نعم كف عن هذه المصطلحات القذرة .
الإبن :
انه الموت على أية حال . انه أى شىء أقذر من هذا أيضا . ألم تلحظى أنهم للآن لم
يفرجوا عنا . ذلك لالشىء سوى أنهم غطوا المنازل بهذه السواتر القماشية الحقيرة
انتظارا لمرورهم من هنا .. ماذا فى الأمر لو أنهم اكتفوا بأن تكون هناك كوة باتساع
الباب لكى نخرج الى أعمالنا والشمس والحياه ؟
الأمولماذا نخرج ؟ للتنزه ؟ أم للتحدث بتلك المصطلحات الوسخة ؟
الإبن :
اذن لن تفتحا النافذة ؟ سأفتحها بنفسى .. سأحطمها تماما وليكن مايكون .
(
يحاول أن يفتح النافذة فلايستطيع أن حتى ينهك تماما
ثم
تدخل الأم وهى تشذب شعرها فى لامبالاه )
الأم :
انها مغطاة أيضا . لاتتعجل الأمر .. لعلهم يمرون اليوم أوغدا .
الأب :
" يدخل " انهم سوف يمرون اليوم بالتأكيد . سوف يرفعون كافة السواتر.
لاداعى
أبدا لكل هذا القلق .
الابن :
قلت لك لاتتجاوز فى الكلام .. من زمن طويل وانت تقول أنهم سوف يمرون اليوم ..
ولاتدرى أنهم قد نسونا تماما هنا . انت مغيب .
الأم :
لاتسىء الظن بهم الى هذا الحد .. انت أبله
.كيف لك ان تتصور أن يرى المسئولون منظر منزلنا القذر وتتأذى أعينهم .. انه
غير حضارى على الإطلاق . وليس لديهم مايكفى من ميزانية لدهن جميع المنازل .. انهم
معذورون ماديا جدا .
الإبن :
انك لم نتحلمى ابدا بأفضل مما أنت فيه .
الأب :
لم يعد لهذا المرض وجودا بيننا .
الإبن :
اننى مازلت مريضا .
الأم :
لأنك تنام عاريا .
الإبن :
سأفتح النافذة .
الأب :
رأسك متحجر .. قلت لك انها مستديرة .. انا فاكر ولها اشعة كالذهب الخالص الرنان .
الإبن :
مثل ماذا ؟ مثل النار ؟
الأب :
تقريبا .. ماذا تريد أن تعرف أيضا ؟ انك فضولى وقح وعنيد .
الأم :
لاتتعجل الأمر .
(يجلسون
جميعا ألأب يأكل . والأم تحاول اشعال
الوابور
.. والإبن يحضر العديد من الكتب ويمكن
أن
يقرأ بعض المقولات الفلسفية الخاصة بالحرية)
الإبن :"
ثائرا " افتحا النافذة الآن .. لابد أن تفتحاها الآن .. أنا لاأستطيع الوصول
اليها .. ولا أستطيع أن أرى الشمس .
الأب :
انها مستديرة .
الأم :
لا .. انها مستطيلة .
الإبن :
أريد أن اراها بنفسى .. اننى أسمع فقطهذا اللفظ الرنان المدعو بالشمس ولا أراها ..
افعلا أى شىءمن أجلى يرحمكما الله .. أرجوكما . ماذا فعلنا لننتظركل هذا الوقت لكى
يمروا ؟
الأب :
لن يتركونا فى حالنا .
الإبن :
انك تخاف من ظلك .
الأب :
سوف تتناثر الأسئلة على رؤسنا من كل حدب وصوب .
الأم :
" تمثل دور محقق مفترض " لماذا فتحت
النافذة ؟
الأب :
لأن ابنى لم يعد يذكر شكل الشمس .
الأم :كان
باستطاعتك أن تصفها له .
الأب :
حاولت ذلك كثيرا .. لكنه لايثق بكلامى .. لقد قلت له انها مستديرة .
الأم :
وهى كذلك فعلا .
الأب :
وانا أعتذر ياسيدى .
الأم :
انك تحاول التغابى .. فتحتها لكى تقوم بفعل ارهابى " تتجه للإبن " وانت
؟ ماذا كنت تنوى أن تفعل ؟
الإبن :
انا كنت أنوى أن أبصق عليهم جميعا .. من أجلكما ومن أجل كل الذين يرقدون خلف
السواتر القماشية الملونة القذرة انتظارا لمرورهم من هنا ..افتحا النافذة الآن ..
لاوقت لهذا التمثيل الفارغ الحقير .. افتحا النافذة حتى تدخل الشمس .
الأب :
ولدى أرجوك اهدأ.. سوف نفعل لكن الشمس لاتستطيع الدخول عبر النافذة .
الإبن :
لماذا لاتستطيع الدخول عبر النافذة ؟
الأب :
انها أكبر من الأرض ألاف المرات .. والنافذة أصغر من الأرض ألاف المرات .. فكيف
تستطيع الدخول عبر النافذة ؟
الأم :
افرض أنك كنت الشمس .. فكيف تستطيع الدخول عبر النافذة ؟
الإبن :
" حائرا ومنكسرا " اذن لا فائدة .. سوف أنتحر الآن .
الأم :
ليس بوسعك مساعدتنا وليس بوسعنا مساعدتك ..
الأب :
لكن يجب أن تتحمل المسئولية وحدك .. انهم سوف يرمونها على عاتقنا ويتهموننا بقتلك
.
الأم :
وهذا لم يحدث طبعا ..هه ؟
الأب :
طبعا .. يجب أن تكتب تعهدا بأنك انتحرت بمحض ارادتك وكامل قواك العقلية .
الأم :
اننا لانستطيع تحمل هذه المسئوليه .
الإبن :
ليس بمحض ارادتى أنا .. ليس لنا دخل فيما وصلنا اليه جميعا .. أما مسألة قواى
العقليه فى هذا الوقت فهو هراء " للأم " وماذا عنك انت أيضا؟
الأم :
فقط أخشى أن تتعفن هنا .. وذلك سوف يؤلمنا جدا .
الإبن :
لأن أبنكما وفلذة كبدكما قد مات ؟
الأب :
لأن الرائحة وقتها لن تطاق .
الإبن :
حسنا سأذهل الآن .
الأم :
" بحنان " لدينا قليلا من الكيروسين فى الحمام .
الأب :
أرجو أن تترك بعضا منه .. لأننا بحاجة اليه لتسخين المعلبات .
الإبن :
" ينظر لهما طويلا " أهذا آخر ماعندكما ولن تفتحا النافذه ؟
الأب :
يجب أن تثق وتصدق انها مغطاة لأنهم عندما يمرون يجب ألا يبصروا منظر الناس الذى
يبعث على الغثيان .
الأم :
إن مظهرنا غير حضارى ابدا . ماذا يقولون للضيوف والأجانب ؟
الأب :
لماذا لاتثق بكلامنا ؟
الأم :
افتحها أنت ان كنت تستطيع .
الأب :
" مؤكدا " وعليك بتحمل المسئولية وحدك ..هه وحدك فقط .. لا أنا ولا أمك
قلنا لك افعل شيئا من هذا كله واخرج على مقاليد الأمور .
الإبن :
" يحاول فتح النافذة بكافة الطرق فلا يطولها فينهك " النافذة عالية جدا
.كيف يكون ذلك ؟ ألم أكن أفتحها عندما كنت صغيرا وقبل هذا الوقت العصيب ؟ أماه ..
لافائدة .. قصرت قامتى تماما وانحنيت .. لامفر سوف أستعمل الكيروسين كله وجميع
أعواد الثقاب ولن أترك فرصة واحدة لأية متعة ولو لأنتحاركما ..
الأب :
حذار أن تستعمله كله .. فنحن بحاجة اليه قريبا .. انك أنانى تريد أن تخلد وحدك
للراحة .. وانا وأمك فلنذهب الى الجحيم .
الأم :
ارجوك .. اننا لن نستطيع تسخين المعلبات التى تركوها لنا قبل تغطية المنزل .. لقد
نصحونا بذلك .. انهم بلاشك يحبوننا اذ جعلونا على أهبة الإستعداد لهذه الحياه ..
أرجوك .. لاتسكبه حميعه .
الإبن :
لكننى لن أموت لو سكبت قليلا منه .
الأب :
ثق أنك سوف تحترق بأكملم .. الله معك .. هل ترغب أن أمد لك يد المساعدة .
الإبن :
" متسائلا "
الأب :
سأسكب الكيروسين وانت تهم باشعال الكبريت .
الإبن :
" ينظر لأمه مستنجدا " أماه .
الأب :
" يأخذ الأم من أمامه " أمك سوف تشاهد وتدعو لك بالعادة مع الشهداء
والقديسين .والشمس .
الإبن :
الشمس ؟
الأب :
نعم .
الإبن :
انها فكرة قديمة .
الأم :
" والأب معا " ماذا ؟
الإبن :
لقد أصبحت فكرة قديمة .. انتم لاتدركون أهمية أن يغيب واحد عن شمسه فى صبيحة حياته
.. هل تظنون أننا عندما نكبر ستكون لدينا نفس الرغبة فى فعل ماكنا نوده صغارا ؟
الآن عندما أفكر فى الموت احسنى شجاعا وقويا . وعندما أفكر فى الموت أحسنى أيضا
شجاع وقويا أما فى اللاموت واللاحياه .. فليس شيئا بحاجة لنا كما أننا لسنا بحاجة
لشىء . إنظرا .. خطاب وضع تحت الباب .
(
الأب يلتقطه ملهوفا )
الأم :
ممن هذا الخطاب ؟
الأب :
ليس مكتوبا عليه أى شىء .
(
فجأة تفتح النافذة بعنف ويعم الضوء )
الأم :
من الذى فتح النافذة ؟
الأب :
لقد فنحت النافذة .
الأم :
من فتحها ؟
الإبن :
" وهو يستدير ليدخل الحمام " لقد فتحها الذين أغلقوها .. أما نحن فلم
تكن لدينا القدرة ابدا لفتح النافذة ولا لفعل شىء .
الأم :
" تنظر للخارج " لقد تمزقت السواتر .. الشوارع متسخة جدا .. يبدو أنهم
قد مروا منذ زمن بعيد .
ص الإبن : " مضخما وهو يحترق
ونلمح الحريق أو الضوء خارجا من الحمام " الآن بوسعهم أن يغطوا البيوت
بالسواتر وأن يخلعوها وأن يمروا .. وأن
يغطوا البيوت بالسواتر وأن يخلعوها وأن
يمروا أما نحن فقد سلمنا ارواحنا ورؤسنا
على نحو مشين .. فليظلوا هم الرؤس التى تطرحنا حول الموائد المستديرة وتطرحنا تحت
غطاءات العفن المرير والأقوال الطنانه والسواتر القماشية الملونة .
(
يصرخ الإبن صرخته الأخيرة بينما الأب والأم
يتطلعان
نحو النافذة )
الأم :
تعال انظر .. انها مستديرة .
الأب :
لقد صدق حدسى .. قلت ذلك مرارا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق